متخصص بالشأن الفلسطيني

أوهام في العمل الفلسطيني (1

أوهام في العمل الفلسطيني (1)
بقلم: محسن محمد صالح

ثمة أدبيات ومفاهيم منتشرة في الساحة الفلسطينية السياسية والإعلامية والعلمية والثقافية، تُروّج لرؤى وتصورات يبدو تنفيذها ضربا من الأوهام، غير المستندة على أساس من التجارب ولا القراءة العلمية المنهجية.

أول هذه الأوهام، هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال مسار التسوية السلمية

وهو الوهم الذي وُقّعت على أساسه اتفاقية أوسلو، وأنشئت على أساسه السلطة الفلسطينية، وهو الشعار الذي تبنته الأنظمة العربية طوال الأربعين سنة الماضية، وخصوصا منذ مبادرة الأمير (الملك) فهد 1982؛ وأصبح “القاعدة” المعتمدة في المواقف الدولية (حلُّ الدولتين). وقد بُني الوهم على فرضية خاطئة، أنه إذا اعترف الفلسطينيون بالكيان الصهيوني (“إسرائيل”) و”حقه” في الوجود على 77 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، فإن هذا الكيان سيقوم بالانسحاب من الأرض المحتلة سنة 1967 (الضفة الغربية وقطاع غزة)، ويسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها بما فيها شرقي القدس.

أما الحقيقة، فإن مسار التسوية السلمية قد تمّ تصميمه والتوافق عليه في أوسلو دون التزام حاسم من “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني بإقامة هذه الدولة المستقلة، ولا بسقف واضح للانسحاب من الضفة والقطاع، ولا بحق الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير، ولا باعتراف إسرائيلي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ولا بالانسحاب من شرقي القدس، ولا حتى بوقف الاستيطان وبرامج التهويد في الأرض المحتلة 1967.

والجانب العملي في الموضوع على مدى 27 عاما، أثبت أن الطرف الصهيوني أدار مسار التسوية واستخدمه غطاء لمزيد من التهويد والتوسع الاستيطاني، خصوصا في القدس وباقي الضفة الغربية؛ وحوَّل السلطة الفلسطينية إلى كيان وظيفي يخدم أغراض الاحتلال ويقمع قوى المقاومة، واستخدم المسار لشرعنة نفسه عربيّا وإسلاميّا ودوليّا، وإنفاذ برامج التطبيع في المنطقة بقصد إغلاق الملف الفلسطيني، وفق معايير الجانب الصهيوني ومتطلباته.

وما زالت العقلية التي تدير الكيان الإسرائيلي وفق الأيديولوجية الصهيونية لا تؤمن بدولة فلسطينية مستقلة غربي نهر الأردن، ولا يتجاوز حديث معظم أحزابها عن كيان فلسطيني منزوع السلاح تحت الهيمنة الصهيونية، يدير السكان، بينما يعيش الصهاينة “استعماراً نظيفاً” يهيمن على الأرض وما فوقها وما تحتها، وعلى مداخلها ومخارجها.

هذه الرؤية الصهيونية، لا يُغيّرها “حسن السلوك” الفلسطيني ولا العربي ولا الإسلامي ولا الدولي، وإنما تغيّرها المقاومة المسلحة التي تفقدها ركائز أمنها واقتصادها واستقرارها، فتضطر للانسحاب تحت قعقعة السلاح.

* * *

الوهم الثاني: الجمع بين السلطة ببنيتها الحالية، والمقاومة المسلحة تحت الاحتلال

إذ لن تسمح “إسرائيل” بقيام سلطة فلسطينية تتبنّى المقاومة المسلحة أو توفّر غطاء لها تحت احتلالها، حتى لو كانت هذه المقاومة تعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني، وتفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية فوزا كاسحا.

الاحتلال الاستيطاني الإحلالي العدواني الصهيوني ينازعك على الأرض وعلى هويتها، وينازعك على الإنسان وعلى هويته، ولديه برنامج استراتيجي ممنهج ومتدرج للسيطرة وتغيير الهوية، وهو ليس جمعية خيرية، كما أنه ليس حالة “ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان”، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بأرض فلسطين وبالإنسان الفلسطيني. وقام هو بتكييف البنية الوظيفية للسلطة للتماهي مع هذه الأهداف، وهو من ثم ليس غبيا لدرجة أن يسمح لك بالتعبئة والتحشيد والاستفادة من الإمكانات المؤسسية والمادية، وتبني العمل المقاوم للتخلص منه.

ولذلك، فعندما فازت حماس بالانتخابات في 2006 وشكلت حكومتها، قام الصهاينة بحملات عسكرية واغتيالات ومجزرة مخيم الشاطئ، لحشر حماس في زاوية التطويع أو الرد؛ مما دفع حماس للرد العسكري بعملية “الوهم المتبدد” في حزيران/ يونيو 2006، حيث ثبت أنه لا يمكن استيعابها في مسار التسوية، فقام الصهاينة بحملة عسكرية واسعة وبحملة اعتقالات شلّت عمل حكومة حماس في الضفة، كما شلّت المجلس التشريعي. وليس ثمة أفق، بعد تجربة الـ16 عاما الماضية، بإمكانية أن تقود حكومة تتبنى المقاومة المسلحة الحكومة في الضفة الغربية. أما نجاح حماس في قطاع غزة، فيعود إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل منه، واكتفائه بحصاره من الخارج، مع قدرة قوى المقاومة على تطوير إمكاناتها للدفاع عن القطاع ضد عدوانه.

يبقى ثمة أمر يحتمل النقاش، وهو إمكانية إعادة تعريف وتكييف السلطة وبناها المؤسسية في الضفة الغربية بما يتواءم مع بيئة شعب في مواجهة الاحتلال، وأن تتشكل البنى المؤسسية بما يتواءم مع تعزيز الصمود الفلسطيني تحت الاحتلال، والخروج عن هيمنته اقتصاديّا وسياسيّا واجتماعيّا وتعليميّا وثقافيّا، وإلغاء التعاون والتنسيق الأمني، وأن تكون حالة الاحتكاك مع العدو مرتبطة بضرورات الأمر الواقع واستثناءات المتطلبات المعيشية التي تُقدر بقدرها. وعند ذلك، فإن السلطة القائمة تركز على خدمة الشعب الفلسطيني، بينما تترك المقاومة وشأنها، إن لم تستطع تبنيها أو توفير الغطاء لها. وفي الوقت نفسه، يُحوّل الفلسطينيون خسارتهم المحتملة لأي من المؤسسات إلى مزيد من الأعباء والتكاليف على الاحتلال، بمعنى أن العمل المؤسسي تحت الاحتلال هو عملية نضالية (تعليمية، اقتصادية، ثقافية، صحية)، وأي خسارة فيها يجب أن تسهم في رفع وتيرة النضال وتكشف الوجه القبيح للاحتلال.

أما إن أرادت حماس وقوى المقاومة الدخول في الانتخابات التشريعية كمعبر إجباري للشرعية الفلسطينية (مع أن هذه الفكرة نفسها أصبحت مستبعدة، وأقرب إلى حالة افتراضية خصوصا بعد تعطيل عباس للانتخابات)، فيجب أن يكون واضحا أنه ليس هناك ثمة مراهنة على حكومة تديرها المقاومة وفق النمط التقليدي للسلطة المصممة لخدمة الاحتلال، وأن إعادة تعريف السلطة وتكييفها وطنيّا هو مسار إجباري أيضا، وهو ما قد يفقدها مبررات وجودها بالنسبة للاحتلال، وسيستخدم الأدوات الممكنة كافة لتطويعها؛ أي إنه لو افترضنا جدلا سيطرة المقاومة على السلطة في الضفة مباشرة أو من خلال من يمثل برنامجها؛ فإن ذلك سيُحولها بالضرورة إلى حالة اشتباك مع الاحتلال وحلفائه الذين يحتلون الأرض، ويتحكمون بالبنى التحتية، وبالموارد المالية للسلطة وصادراتها ووارداتها، وبحركة الأفراد والمواصلات وعمل المؤسسات. ومن ثم فإما أن تتكيف السلطة مع بنية البرنامج المقاوم، أو تتكيف المقاومة (ولو بدرجة أو بأخرى) مع متطلبات الاحتلال، أو تنهار أو تتعطل السلطة أو عدد من مؤسساتها.

* * *

الوهم الثالث: صناعة قرار فلسطيني مستقل تحت الاحتلال

ربما كان مجرد مناقشة الفكرة نفسها أمرا مستبعدا قبل اتفاقات أوسلو، وكان التفكير بعقد مجلس وطني أو مجلس مركزي فلسطيني أو لقاء لجنة تنفيذية تحت الاحتلال، أقرب إلى نكتة سمجة ووقحة. ومنظمة التحرير طوال الفترة 1993-1967 لم تكن فقط تعقد لقاءاتها في الخارج، بل كانت تستبعد فلسطينيي الداخل (الضفة والقطاع و48) من النِّصاب عند عقد اجتماعات المجلس الوطني؛ ففي أواخر السبعينيات أدخلت نحو مائة عضو من أبناء الداخل في عضوية المجلس، زادوا لاحقا إلى 180، وبقيت أسماؤهم غير معلنة، خشية على سلامتهم، ولم يكونوا يُحتسبون في نصاب الانعقاد؛ حتى لا يتسبب الاحتلال بتعطيل عمل المجلس، من خلال منع عدد من أعضائه من الحضور.

ولطالما تباهت حركة فتح وشدّدت على صناعة القرار الفلسطيني المستقل؛ غير أن الممارسة السياسية بعد اتفاقات أوسلو عطّلت منظمة التحرير ومؤسساتها، وعندما أرادت قيادة المنظمة (قيادة فتح) عقد اجتماعات للمؤسسات التمثيلية للمنظمة، قامت بعقدها تحت الاحتلال، فأصبح العدو هو الذي يعطي الإذن (ولو ضمنيّا) لعقد اجتماعات المجلس الوطني أو المركزي أو اللجنة التنفيذية، وهو قادر متى شاء على إفشال هذه الاجتماعات وتعطيلها، أو اعتقال من يشاء من الأعضاء وإبعادهم، ومنع دخول أي من الأعضاء أو خروجهم. كما حدث تغييب خطير لأبناء فلسطين في الخارج (وهم أكثر من نصف الشعب الفلسطيني)، بالإضافة إلى أنه لم يكن بالإمكان عمل إصلاح مؤسسي حقيقي في منظمة التحرير بتغييب فصائل المقاومة الفلسطينية، وتحديدا حماس والجهاد الإسلامي، التي كان أحد أسبابها عقد الاجتماعات تحت الاحتلال.

إذا ما أريد للقرار الفلسطيني أن يكون حرّا ومستقلا، فمن البداهة ألا يكون للاحتلال تأثير في مدخلاته ومخرجاته، وفي عقد اجتماعاته وفي حضور أعضائه. ولذلك فهذه الاجتماعات المتعلقة بصناعة القرار يجب أن تكون خارج مناطق الاحتلال، وغير ذلك هو نوع من المماحكة وخداع الذات، أو استسلام لإرادة الاحتلال.

وإلى اللقاء مع “أوهام” أخرى!!
المصدر: عربي 21

آخر الأخبار
"المقاومة الإسلامية في العراق" تعلن استهداف "هدف حيوي" بالطائرات المسيّرات في مدينة أم الرشراش "إيلا... *مناورة عسكرية يمنية لقوات التعبئة العامة بمحافظة الحديدة بعنوان "حارس الطوفان" لرفع جهوزية تنفيذ ال... *الشرط الأمريكي لليوم التالي..سلطة فلسطينية "متجددة"..مشهد لفرض الإصلاح الأمريكي، كما حصل مع محمود ع... مسار عمل السلطة الفلسطينية وموافقة قيادتها لإجهاض المقاومة في الضفة وغزة..خطة فنزل الأمنية..وهي جزء ... حشود مليونية بالعاصمةاليمنية صنعاء يوم الجمعة في مسيرة "مع غزة جهاد مقدس "ولا خطوط حمراء" *القوات المسلحة اليمنية: إسقاط طائرة أميركية يوم الجمعة أثناء قيامها بأعمال عدائية في أجواء محافظة م... عبد المجيد لـ “الثورة”: بالرغم من أننا لا نعول على القمم العربية، لكننا نأمل ونتمنى أن تضطلع هذه الق... عبد المجيد لـ “الثورة”: بالرغم من أننا لا نعول على القمم العربية، لكننا نأمل ونتمنى أن تضطلع هذه الق... *القوات المسلحة اليمنية وحركة أنصار الله تستهدف مدمّرة أمريكية، وسفينةَ Destiny المتجهة لكيان الإحتل... مع دخول الحرب على غزة شهرها الثامن كتائب المقاومة تحصد بكمائن الموت ضباط العدو وجنوده وآلياته.. مهرجان خطابي مركزي في دمشق دعماً للمقاومة وإحياء للذكرى الـ 76 للنكبة جيش الاحتلال يعترف بإصابة 19 جنديًا خلال 24 ساعة غالبيتهم إصابات بالغة بمعارك مع المقاومة في جباليا ... السيد نصرالله في ذكرى استشهاد القائد"مصطفى بدر الدين": إسناد غزة من لبنان أمر قاطع ونتنياهو امامَ خي... خالد عبد المجيد يبرق للسيد عبد الملك الحوثي في ذكرى الصرخة في وجه المستكبرين* الأمناء العامون لفصائل المقاومة من دمشق: أهمية الموقف الوطني الموحد والمقاوم لتعزيز قدرات الشعب ووحد... في ذكرى النكبة: النكبة الفلسطينية مستمرة بدعم من الصهيونية المسيحية بقيادة امريكا وبريطانيا اطلاق مبادرات عالمية وعربية وفلسطينية شبابية لجعل ذكرى النكبة 15 أيار يوم اضراب عام وعصيان مدني فردي... العوامل التي تعترض الأهداف التي يسعى اليها نتنياهو والفريق اليميني المتطرف في الحكومة الإسرائيلية. المؤتمر العالمي لمناهضة الفصل العنصري الإسرائيليي دعا إلی تشكيل اتحاد القوی التقدمية الدولي لإنهاء ا... *المقاومة العراقية تستهدف ميناء عسقلان النفطي في جنوب فلسطين المحتلة بصاروخ «الأرقب»* حزب الله والمقاومة اللبنانية تستهدف مواقع العدو وتجمعاته وتحقق إصابات مباشرة تحالف قوى المقاومة الفلسطينية يرفض تولي شركة أمنية أمريكية أو أي جهة غير فلسطينية إدارة معبر رفح..وس... تقرير أممي يوثق جرائم ونازية الإحتلال، تم اعداده بشكل مشترك من 5 منظمات دولية، ومنظمات(حكومية دولية)... قمة التعاون الإسلامي تدعو لمعاقبة"إسرائيل"والتدخل في القضية بمحكمة العدل الدولية..وإنهاء التطبيع..وا... المقاومة العراقية تستهدف قاعدة قاعدة جوية عسكرية للاحتلال الصهيوني في"إيلات"ام الرشراش ومنشأة عسكرية...