سيف القدس المعركة ما قبل الأخيرة
رامي حاج سعيد
كاتب وإعلامي فلسطيني
سيف القدس المعركة ما قبل الأخيرة
هل نجافي الحقيقة فيما لو جعلنا من شعار “ سيف القدس المعركة ما قبل الأخيرة ” أحد أهم محدّدات الخطاب الإعلامي الفلسطيني الجديد؟
لا أعتقد!
لأنّ الحقيقة الأهم في قراءة مسار المعركة ونتائجها ومفرزاتها،كونها لا تقف عند عظيم المنجزات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والنفسيّة، ولكن أيضاً في تطور مفهوم الإعداد ومساره، ولعلّها النّقطة الأهم في تفاصيل المشهد برمّته.
من أدار المعركة يدرك بأنّ الندّية في الإعداد هي من صنعت الفرق، وليس الركون لميزان القوّة العسكريّة والسياسيّة، وبالتالي وضع يده على كلمة السرّ في بناء العقيدة القتاليّة عند هذا الجيل من الشباب المتعب من كلّ شيء الاّ من ثقته المطلقة بحتميّة الوعد الإلهيّ وحتميّة النصر.
وأعتقد بأنّ هذا ما يفسّر المعنى الكامن في خطاب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة في 7مايو 2021 عندما أطلق تحذيره ضد قوى الاحتلال بأنّ “ما يجري في القدس لا يمكن السكوت عليه، وعلى العدو أن يتوّقع ردّنا في أي لحظة“ (*) تقرير إخباري / موقع فلسطين اليوم/ https://cutt.us/gvmG0
فهو لا يستند بالضرورة على معطيات ميدانيّة وعسكريّة فقط وإنما يتكئ على ما لديه من ثقة بطبيعة التكوين العقائديّ لقواه العسكريّة، وإيمانه بضرورة تجاوز كل محددات الخطاب السياسيّ، والعسكريّ والإعلاميّ السابق، والتأصيل لمفاهيم لا يمكن وصفها بالجديدة، بالقدر الذي يمكن أن نقول عنها بأنّها دُفعت من اطارها النظريّ والعقائديّ للتطبيق العمليّ.
أيضاً فإنّ من أطلق الصاروخ الأول ” الكورنيت” على المدرّعة “الإسرائيليّة“ هو لا ينتمي بالضرورة لفقه الهزائم والانكسارات ومفرزات أوسلو والحصار على غزّة، وإنّما ينتمي فقط لجيل التحرير الذي يخوض معاركه الأخيرة مع قوى الاحتلال وفقاً لثقافة الندّية.
وبهذا … نعم يجب علينا كإعلاميّين أيضاً أن نتجاوز خطابنا التقليدي،
وأن نعيد قراءة معركة سيف القدس من خارج زاوية التحليل،والسرد ووفقاً لمحدد “المعركة ما قبل الأخيرة“، وليس على قاعدة التمنّي والكذب ولكن على قاعدة الندّية، وبناء عقيدة إعلاميّة ترتقي لحجم ما تمّ إنجازه عسكريّاً في معركة سيف القدس.
محدّدات الخطاب الإعلامي الجديد ضمن قراءة الأثر النفسي للمعركة:
يتّسع مفهوم الأثر النفسي لمعركة سيف القدس، ويفتح الباب واسعاً لجملةٍ من التصورات والمفاهيم التي يمكننا الانطلاق منها في تكوين رسائلنا الإعلاميّة، فعلى الرّغم من أهميّة المكتسبات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة والإعلاميّة، إلا أنّني أبدأ الحديث هنا بالإشارة لأهميّة تدارس واستخلاص الأثرالنفسيّ لهذه المعركة، كأحد أهمّ مقوّمات صناعة الخطاب الإعلاميّ الجديد، مع إدراكي المطلق بأنّ قياسه ربما يحتاج للمزيد من الوقت، وللمزيد من عمليّات الاستطلاع المكثّفةللبنية التحتيّة للمجتمعات المستهدفة.
وبهذا … ربما من الجيد أن ننطلق في روايتنا الخبريّة مبدئيّاً من الإشارة فقط لكلّ تلك النتائج العميقة في الوعي الفلسطينيّلمدرك الانتصار بعد عقود من تسويق مفهوم “سلالة دايتون،والسلام الأمنيّ، والفلسطينيّ الجديد” (*) السلالة الفلسطينيّة الجديدة – إبراهيم عجوة -الجزيرة نت
وأيضاً من قياس حجم المتبدّل في الرأي العام العربي،واستعادة ثابت المقدّس، وطرد مفرزات الخطاب الإعلامي الذي تمرّس تقديم قضية المسجد الأقصى على أنّها صراع بين حقّين، وبين روايتين، بالإضافة لشيطنة المقاومة.
وأيضاً من خلال التأكيد على حجم الخلل الحاصل في تركيبة المتخيّل الشعبيّ الإسرائيليّ لقواه العسكريّة، وارتدادات ذلك على ثقة البيئة الداخلية بقدرة قوى الاحتلال على حمايتهم، وتحديداً مع قدرة الصواريخ الفلسطينيّة الموصوفة “بالعبثيّة” بالنفوذ لكامل الجغرافيا الفلسطينيّة، وهذا ما أظهره وبشكل واضح استطلاع مجموعة الاستشارات والأبحاث “الإسرائيليّة” (تيفين) والذي أشار بأنّ 65% من “الإسرائيلييّن” يعتقدون أنّ أهم شيء يجب تحسينه في دولة الاحتلال الإسرائيليّ بعد معركة سيف القدس هو “الأمن“. (*)
تقرير إخباري على موقع مدينة القدس https://alquds-city.com/index.php?s=1&id=37103
محدّدات الخطاب الإعلامي الجديد ضمن قراءة الواقع السياسيّ والاجتماعيّ الفلسطيني.
لن أدّعي القدرة على تخطّي ما سبقني إليه الكثير من المحلّلين والكتّاب في فهم أبعاد ومنجزات معركة سيف القدس، ولكن ما سأحاوله هنا هو تقديم قراءة مختلفة وفق محدد “المعركة ما قبل الأخيرة”، بمعنى إعادة توصيف المحتوى الفكريّ والتحليليّلهذه المعركة، وتقديمه كمادة خام قابلة للتطويع، بما يخدم توجّهنا الأهم في بناء خطابنا الإعلاميّ الجديد.
وأذكر هنا بعض النقاط:
وهنا يمكن لنا ملاحظة إصرار السلطة الفلسطينيّة معبداية معركة سيف القدس على استحضار خطابهاالإعلامي حول “ما خسره الفلسطينيون من تعاطف المجتمع الدوليّ عندما ذهبوا لخيار الحرب“، كمحاولة جادّة لاستعادة المزاج العام للداخل الفلسطينيّ المحتلإلى ما كان عليه قبل هبّة القدس… وتحديداً ضمن بيئة اعتقدت السلطة الفلسطينيّة ولسنوات طويلة بأنّها بيئة مهجّنة.
محدّدات الخطاب الإعلامي الجديد ضمن قراءة النتائج العسكريّة:
لا يمكننا بعد معركة سيف القدس النظر لمحاولات إعادة توصيف المعركة مع قوى الاحتلال “على قاعدة الحرب غير المتناظرة“، والتركيز على التفاوت الحاد في العتاد والتّسليح ومنظومات الأمن والسيطرة، على قاعدة المصداقيّة الخبريّة، وإنّما كقاعدة حقيقية لخطاب إعلاميّ مضاد يحاول تفريغ هذه المعركة من منجزاتها.
بل وليس من المسموح تداول بعض المفردات التي توثّق جهالة العاملين على إدارة الخطاب الإعلاميّ المقاوم، قبل توثيقها لعمالة بعض القنوات الإخباريّة في تمرير الرواية الصهيونيّة وتثبيتها.
لا بدّ لنا من إعادة قراءة مصطلحاتنا، وتدارس تفاصيل الروايّة المضادة بصورها، وتقاريرها، ونشراتها الإخبارية وكتّابها، ثمّ إيجاد نوع من التوازن بين وجوبيّة نقل الحقيقة، وبين مصطلحاتنا الجديدة وأفكارنا الثوريّة، ووفقاً لمحدد المعركة ما قبل الأخيرة.
يجب علينا البناء المستمرّ على حقيقة عجز الاحتلال عن تحقيق انتصارات كاملة، أو حسم المواجهات، وأكثر من ذلك عدم قدرته على تحقيق أيّاً من الأهداف التي وضعها عند كل مواجهة.
بل وعلينا أن نعيد تثبيت واستحضار نقاط القوة في الأداء العسكريّ الفلسطيني في أيّ رسالة إعلاميّة، وهذا ما يجعلنا ندعو صراحة لإيجاد غرفة عمليات إعلاميّة ضمن غرفة العمليات العسكريّة أثناء المعركة، بما يسمح بتفسير وفكّ شفرة الأداء العسكريّ، وبما يقدّم التوجيه الدقيق لغرف الأخبار في قنوات المقاومة، لتقديم خطابها الإعلامي.
وهنا أيضاً يمكننا أن نوثّق بعض ما نراه من مادة خبريّة يجب البناء على مفرداتها لتعزيز ملامح خطابنا الإعلامي:
ولعلّ مركز الثقل الحقيقي في الخطاب المعادي المضاد لأهميّة الاعداد والمراكمة هو مجمل ما كنا نسمعه يوميا عن ” ما الفائدة” ” لا يمكن” “الدّم الرخيص” ” الصواريخ العبثيّة” ثم ليأتي فعل المقاومة ليثبت حجم المستطاع مع اخلاص النيّة والتوجّه، وتحديداًبعد ما بدى من تطوّر البنية العسكريّة للمقاومة وقدرتها على توجيه ضربات صاروخيّة لكامل الجغرافيا الفلسطينيّة المحتلة.
وبهذا يمكننا أن نقول وبثقة مطلقة بأنّ صور الدمار في كيان الاحتلال، وحالة الهلع، وحجم المنجز السريع للأداء العسكريّ، هو فقط ما يبرر الاندفاعة القويّة لبعض الأنظمة العربيّة اتجاه المقاومة الفلسطينيّة، كمحاولة أخيرة لاستدراك الأثر النفسيّ للصورة على شعوب المنطقة وتجميده، والتقليل من حدّة التشويه الحاصل في صورة كيان الاحتلال، والذي صُوّر عبر عقود طويلة بأنه الجيش الذي لا يهزم.
وأعتقد أنّ إعلان فصائل المقاومة الفلسطينيّة عن ادخال بعض الأسلحة الجديدة، إنما هو لجهة تثبيت استمرار القدرة على التّصنيع والتّطوير، وطمأنة الحواضن أولاً، ثم لجهة نفي الرواية الصهيونيّة بضرب البنية التحتيّة للصناعات العسكريّة، ثمّ لاستعراض القدرات والامكانيّات، بما يدعم نظرية التّطور الهائل في هذه الصناعات عبر سنواتها الأخيرة.
فأصّل بذلك لأهمّ معادلة ردع عسكريّة، بعد معادلة حيفا وما بعد حيفا سوى أنّ المقاومة في غزّة هي من صنعت المعادلة هذه المرّة.
زحف نحو الحدود ومظاهرات لا تتوقف.. الأردن يغضب للقدس وفلسطين ودعوات لقطع العلاقات مع إسرائيل
/الجزيرة نت.
محدّدات الخطاب الإعلامي الجديد ضمن قراءة الأداء الإعلامي لكيان الاحتلال.
ليس من الحكمة تجاوز قدرة العقل العسكريّ والأمنيّالاسرائيليّ على قراءة المستجد العسكرّي في معركة سيف القدس، وتحديداً في جزئيّة اتساع الجبهات في الضفّة الغربيّة، وقطّاع غزّة وأراضي 48 المحتلّة، بالإضافة إلى فلسطينييّ الشتات، والرأي العام العربيّ والإسلاميّ، وبعض قطّاعات الرأي العام الغربيّ، وبالتالي قد نفهم هنا كلّ هذا الإصرار للخطاب الإعلاميّ “الإسرائيليّ“ على تقزيم مفهوم وحدة الجبهات لصالح تظهير المعركة على أنّها مع فصيل واحد وبالحد الأكبر مع قطّاع غزّة.
فالتغطية على هذا الاتّساع في رقعة المعركة، كان أحدّ أهمّأولويات المنظومة الفكريّة لكيان الاحتلال، وذلك لأنّ ما حدث على الأرض من وحدة الجّبهات يعيد القضيّة الفلسطينيّة إلىمربّعها الأول والأصيل في كونّها قضيّة أرض محتلّة، وشعب يطالب بالحريّة، وبأنّ لهذا الشعب حواضن عربيّة وإسلاميّة وامتداد عقائديّ…. وأيضاً لأنّ امتداد الجبهات وتنوّعها يخالف بالضرورة ما تمّ تسويقه وعلى مدى عقود بأنّ المقاومة الإسلاميّة في غزّة معزولة وبأنّها جزء لا يتجزأ من “الإرهاب الإسلاميّ“.
وبهذا بات مدركا بالنسبة لكيان الاحتلال حجم الخطر الكامن في تفشّي مفهوم وحدة الجّبهات على خطابه الإعلاميّ، وقاعدته الأساس بأنّ فلسطين أرض بلا شعب، وأيضاً على خطاب كيان الاحتلال لمجتمعه وحواضنه باستحالة بروز البعد العقائدي والوطني لفلسطينيي ال 48 والضفّة، وأيضاً لاستشعاره بأنّ هناك نواة صلبة لخطاب إعلاميّ فلسطينيّ جديد يظهّر المقاومة الفلسطينيّة وغرفة عمليّاتها المشتركة كمشروع تحرّر وطنيّ،وبما يخالف سرديّة الإرهاب في الروايّة الصهيونيّة.
وأعتقد أنّه أمام كل هذه المتغيّرات يمكن لنا الآن أن نفهم حالة الاختلال الواضح في تقديم الرواية العسكريّة الصهيونيّة خلال الأيّام الأولى لانطلاق معركة سيف القدس.
وبالتالي فإنّ قراءة متأنيّة لواقع هذا الاختلال في الأداء الإعلاميّ الإسرائيليّ ربما يشكل القاعد الأهم في تشكيل خطابنا الإعلاميّ الجديد ويمكن لنا هنا أن نتحدث عن:
واكتفى بسرد عدد الأهداف التي تم استهدافها، وعدد قتلى “إرهابيي الجهاد، وحماس“، وكميّة الصواريخ التي تم إطلاقها أو تدميرها، وعدد الأنفاق التي تمّ تدميرها، بينما انخفض سقف الاستراتيجيّ المعلن للحكومة الإسرائيليّة -كما قدمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو جعل “حماس تفكر مرتين في المرّة القادمة قبل إطلاق النار علينا في يوم القدس أو في أي يوم آخر “.(*)
“ نتنياهو: العملية في غزة ستستمر طالما تطلب الأمر ذلك https://www.aa.com.tr
بالمجمل فشلت “إسرائيل” في الجولة الأخيرة من الحرب في تسويق روايتها بسبب ضعف التواصل الاستراتيجي، وحالة الإرباك والأخبار الكاذبة، وكانت رواية الفلسطينيّين والمتضامنين معهم أقوى وأسرع وأكثر كثافة.
الإعلام الفلسطيني المعركة المنتظرة
في ظلّ ما يسمى التطوّر الاتصالي، والانفجار المعرفي وثورة تكنلوجيا المعلومات، بات من المستطرق اليومي أن نسمع الكثير من المصطلحات الدخيلة على موسوعتنا المعرفية.
ونتحدث مثلاً عن مصطلحات مثل “الديبلوماسيّة الإلكترونيّة” و “ثورات تويتر وفيسبوك” وليس أخيراً “انتفاضة تيك توك“، ثمّ مع تطوّر المسار الإدراكيّ لإمكانيّات هذه الوسائل وقدراتها في تحقيق وتثبيت الخطاب الإعلاميّ للحكومات والشعوب، أصبحت هذه الوسائل أحد أهمّ وأخطر الأدوات والأسلحة في إدارة أيّصراع دوليّ.
وهنا نستطيع الحديث وبثقة مطلقة على أنّ التجربة الأحدث في هذا المضمار هو تلك المعركة التي أدارها الشعب الفلسطينيّعلى مواقع التواصل الاجتماعيّ في معركة سيف القدس، والتي كانت من أحد أهمّ نتائجها تراجع السرديّة “الإسرائيليّة“لصالح الحقيقة الفلسطينيّة.
نعم يمكننا القول بأن الفضاء الالكترونّي كان مسرحاً لمعركةحقيقيّة على غرار تلك المعركة العسكريّة، وبأسلحة لا تتعدّى المعلومة المباشرة، والصور الحيّة ومقاطع الفيديو، والشهادات،والقصص والرسوم البيانيّة، ولكنّ المؤلم حقيقة كونها لم ترتكز على قاعدة الخطاب الإعلامي الواحد، والمرجعيّة الإعلاميّة الواحدة، وإنّما على قاعدة ردود الأفعال، ولهذا تحديدا وصفتها بالمعركة المنتظرة.
ومع هذ فإنني أدرك تمام الإدراك بأنّ ما تمّ تحقيقه إعلاميّاً وعلى المستوى الشعبيّ دون الرسميّ كان بمثابة الإنجاز المتقدّم نتيجة للعديد من الاعتبارات، والتي سأحاول دراستها وشرحها بالقدر الذي يسمح لنا استحضار هذه التجربة في المعارك القادمة:
لن أتحدّث عم محاربة المحتوى الفلسطينيّ لأنّني أعتقد بأن هذا الموضوع قد أغرق بحثاً وتوثيقاً حتى بات كل فلسطينيّ لديه تجربته الخاصّة في هذا الموضوع.
ولكنني سأطرح مصطلحاً جديداً وهو “ الإغراق الإعلاميّ “ وما أثبته من قدرة على تجاوز إشكاليّة محاربة المحتوى الفلسطينيّ، وأيضاً قدرته على تجاوز قبّة الفيس بوك الحديدية بمعنى:
أنّ كثافة المنشورات، وتزامنها، وتطابق مصطلحاتها، وتعدّد بيئاتها وجغرافيّتها، وتوحيد الشعارات وتناولها بأكثر من لغة، والإصرار على إنشاء حسابات جديدة، واستمرار عمليات نشر المحتوى.
كلها عوامل ساعدت على تجاوز خوارزميات الفيس بوك، وأفقدتها توازنها وقدرتها على ضبط المحتوى، مما جعل المحذوف أقل بكثير من حجم المنشور.
وهنا أيضا أتحدث عن اجتراح الفلسطينيين حلولاً عمليّة لصناعة خطاب إعلاميّ عابر للانقسام، وهذا ما يفسر النجاح الباهر لوسم أنقذوا حي الشيخ جراح… لاشكّ أن هناك الكثير من التفاصيل التي تدخّلت لنفاذ هذا الوسم للمجتمع الدوليّ،ولكن يمكننا القول وبثقة مطلقة أن اتفاق الكلّ الفلسطيني والعربي والإسلامي وكل أحرار العالم على هدف “مظلوميّة القدس“ وما تمثله من حضور عقائدي كان العامل الأهمّ لهذا النّفاذ ولتحقيق التأثير.
تميّزت معركة سيف القدس بالقدرة الهائلة للناشطين الإعلاميين الفلسطينيين في غزّة والضفة ومختلف نواحي الوطن الفلسطيني المحتل على توثيق الفعل المقاوم، وهذا ما كان له الأثر البارز في استحداث وتأمين المادة الإعلاميّة المؤثرة، وشكّل رافداً حقيقياً لتوثيق انتهاكات الاحتلال وبما يضمن إطلاق حملات إعلاميّة مركّزة.
كما أثبتت معركة سيف القدس مدى أهميّة وخطورة نقل المحتوى الفلسطينيّ عبر خاصيّة البثّ المباشر، والتي تناولها المقدسيّون والغزّيون بكثرة سواء على مستوى القنوات التلفزيونيّة أو عبر الاستفادة من البثّ المباشر عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ، مما دفع جيش الاحتلال الإسرائيليّعلى تحييد هذه القنوات عبر استهدافها المباشر، بينما عجز بطيعة الحال عن استهداف المحاولات الفرديّة في التوثيق،لتشكلّ فيما بعد مادة غنيّة لهذه القنوات.
ويمكننا أن نتحدث هنا عن التقرير الذي نشرته صحيفة لوموندالفرنسيّة، والذي تحدّث فيه الكاتب روبن ريتشاردو عن أهميّة التوثيق البصريّ المباشر للحدث الفلسطينيّ متناولاً الأثر النفسي لهذا التوثيق على كيان الاحتلال وبيئته الداخلية حيث قال: “إن مقطع فيديو نشر يوم 15 أبريل/نيسان الماضي على “تيك توك يظهر فيه شاب فلسطيني وهو يصفع يهوديين في محطة مترو القدس قد أحدث ضجة كبيرة، وقد انتشر هذا الفيديو على نطاق واسع لدرجة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية باتت تخشى أن يصبح موضة جديدة على منصات التواصل الاجتماعي حتى أن البعض يتحدث عن انتفاضة تيك توك“.(*)
الهاشتاغات جبهة أخرى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني/ موقع الجزيرة نت.
وهذا ما تمّ رصده عبر العديد من التغريدات التي خرجت عن المألوف، وتجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء، ونلاحظ كيف أنّ العديد ممن كتبوا عن فلسطين وعن القدس أعادوا تدوير المصطلحات التي طالما استخدمها كيان الاحتلال في وصف الفلسطينيين ومقاومتهم كمصطلح “الإرهاب“ ليعبّروا من خلاله عن جرائم الاحتلال، بل وتمّ استحضار الكثير من مصطلحات الخطاب الإعلامي الفلسطيني كمصطلح “الفصل العنصري““والتطهير العرقي” لوصف السياسة الإسرائيليّة (*)
تقرير إخباري / موقع الرئيس الإخباري/ الرئيس نيوز: رئيس جنوب أفريقيا: إسرائيل تعتمد سياسة الفصل العنصري في غزة (alraeesnews.com)
استطاع الإعلام الرقميّ الاجتماعيّ الفلسطينيّ خلال هذه المعركة من أنسنة الخطاب الإعلامي، وذلك عبر التركيز على ما هو أبعد من حجم الدمار وما هو أبعد من التقارير ذات الصلة بأعداد الشهداء_على أهميّتها_ فتمّ تناول الكثير من القصص الإنسانيّة والتي حققت قفزة نوعيّة في حجم التعاطف العالمي.
وأخيراً…
نعم تعدّدت الجبهات، وكان لجبهة الإعلام الجديد والقنوات الإخباريّة دورها الحقيقي في رسم ملامح المعركة، سوى أنّها استمرّت بأداء دورها التقليديّ، الناقل والمدوّن والمحللّ في بعض الأحيان، دون القدرة على صناعة الخبر، على عكس الإعلام الحربيّ وما أنجزه خلال المعركة، وبالتالي لا بدّ من صناعة خطاب إعلاميّ فلسطينيّ واحد، وبمرجعيّة إعلاميّة واحدة،وغرفة عمليّات إعلاميّة مشتركة مطلّة وبشكل واضح على أداءغرفة العمليّات العسكريّة ، وبما يسمح بتعميم المحدّداتاليوميّة للخطاب الإعلاميّ، وإصدار توجيهات ملزمة لكلّ المؤسسات الإعلاميّة، وبما يضمن عدم تجاوز نقاط القوّة التي تحدثنا عنها مفصّلاً، وضمن ما أسّس له القادة السياسيّون والعسكريّون من ثابت النديّة والعقيدة الإعلاميّة الجديدة.
رامي حاج سعيد
كاتب وإعلامي فلسطيني