الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية في أعقاب أوسلو:
ظل اللاجئون الفلسطينيون منذ نكبتهم وقبل ظهورمنظمة التحريرالفلسطينية يرفضون بعفوية خطط الاندماج أو التوطين،
حيث أصر معظم اللاجئين بأن وضعهم كلاجئين كان مؤقتا ورفضوا بحزم خطط تحسين البنى التحتية في المخيمات كما رفضوا استبدال سقوفهم “الزينكو” بسقوف إسمنت، وبحلول منتصف عقد الستينيات، تزامن صعود نجم منظمة التحرير الفلسطينية وانفتاح الأسواق الخليجية امام العمالة الفلسطينية،هذاالشعور الجديد بالتمكين الاقتصادي والسياسي، وتنامي قوة منظمة التحرير الفلسطينية خلق روحا من الثقة السياسية التي انتقصت من نفوذ الأونروا ومكانتها الرئيسية، ولكنه لم ينتقص من أهمية الدعم المادي الذي كانت تقدمه للكثير من أسر اللاجئين الفقيرة.
لقد زاد حضور منظمة التحرير الفلسطينية جرأة الفلسطينيين وشجعهم على الوقوف في وجه اختزال تطلعاتهم السياسية وحقوقهم القانونية الى مجرد قضية إنسانية، ولكن تفاقم موقف المنظمة بتوقيعها في عام 1993 على إعلان المبادئ المنشئ للسلطة الفلسطينية والذي مثل تحولا جذريا في السياسة الوطنية الرسمية وبداية الانقسام الحاد على صعيد التوافق الوطني.
لقد أسفر إعلان المبادئ والاتفاقات اللاحقة والمعروفة عموما “بعملية سلام” أوسلو عن إقصاء لاجئي نكبة عام 1948 لأن الإطار الأمريكي-الإسرائيلي الذي ارتكزت إليه هذه الاتفاقات لم يكن قائما على القانون الدولي فضلا عن أنه تجاهل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
لقد ساور اللاجئ الفلسطيني القلق عندما أعلن المفوض العام بُعيد توقيع إعلان المبادئ بأن وكالة الأونروا سوف تتحضر، على ضوء “عملية السلام،” لحل نفسها في غضون فترة مدتها خمس سنوات، وقد تفاقم الاضطراب السياسي جراء قرار الوكالة القاضي بتمويل برنامج إقرار السلام الرامي إلى مساعدة السلطة الفلسطينية في تشييد بنيتها الأساسية .
لقد كشف برنامج “إقرار السلام” بأن وكالة الأونروا ليست في منأى عن الوسط السياسي، وإنما متورطة للغاية في الترتيبات السياسية المحلية والدولية المتغيرة. فالتأييد العلني الذي أبدته الأونروا لمفاوضات أوسلو السياسية، وخططها آنذاك الهادفة إلى “حل” نفسها، والخطوات التي اتخذتها لمساعدة السلطة الفلسطينية في بناء مؤسسات “الدولة،” قبل حل مشكلة اللاجئين، كشف عن الصلات المعقدة بين المجالين الإنساني والسياسي.
لقد عطلت (أوسلو) منظمة التحرير الفلسطينية وأفرغتها من سلطتها وفعالياتها السياسية من خلال تفتيت المؤسسات الوطنية الفلسطينية، وتوجيه الموارد والتركيز السياسي نحو “الداخل” -الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت إدارة السلطة الفلسطينية على حساب اللاجئين، ورغم الولاء الذي تظهره السلطة الفلسطينية بشعاراتها “لحق العودة،” وهو القضية الجوهرية والأكثر أهمية في النضال الوطني الفلسطيني، فإنها قد دفنت هذا الحق تحت عناوين سياسية متعددة.
أسفر ذلك عن نشوء مزاج سياسي تشاؤمي ولا سيما في أوساط اللاجئين في المنفى، أما الأونروا فقد استمرت كمؤسسة ترمز إلى المصير السياسي المعلق للاجئي عام 1948 وحقهم في العودة المُهمَل والساقط فعليا بحكم المبادئ الناظمة لاتفاقات أوسلو.
الاونروا والنموذج الفريد لمنظمة إنسانية دولية:
ثمة سمات فريدة تتميز بها العلاقة بين الأونروا واللاجئين الفلسطينيين:
– أن الأمم المتحدة التي أنشأت وكالة الأونروا متواطئة في خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص خطتها التقسيمية (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181) التي استخدمها قادة الحركة الصهيونية لتبرير التطهير العرقي في فلسطين، وإن كان بتحريف المصطلحات في بنود القرار والتوسع إلى ما وراء الأراضي المخصصة “لدولة الأغلبية اليهودية”.
-قبلت الأمم المتحدة بعضوية ” دولة إسرائيل ” في جمعيتها العمومية قبل تطبيق حق العودة للاجئ الفلسطيني.
أن اللاجئين الفلسطينيين كانوا حذرين من دور الأونروا وسبب وجودها عند تأسيسها، فإنهم وبفعل افتقارهم إلى جسم سياسي ممثل لهم يعبرعن تطلعاتهم السياسية في العودة، تعاملوا مع الأونروا كحكومتهم المعنية بتحقيق رفاههم المعيشي، وعند ظهور منظمة التحرير الفلسطينية، في الفترة التي أصبحت فيها أسواق الخليج الوجهة الجاذبة للعمالة الفلسطينية، اكتسب اللاجئ الفلسطيني دعم وثقة سياسية واقتصادية وبدت الأونروا أقل أهمية لبقائهم، غير أن اتفاقات أوسلو أحدثت أزمة وطنية وشرخا بين السلطة الوطنية والغالبية العظمى من اللاجئين، وهذا ما أعاد الأونروا إلى موقع الصدارة مجددا، حيث حافظت على أهميتها ليس كحكومة معنية بالإغاثة فقط، وإنما بوصفها حيزا يمكن اللاجئ الفلسطيني ان يعود من خلاله المطالبة بحقوقه السياسية والقانونية التي تجاهلتها اتفاقات أوسلو وانتهكتها، ووجود الأونروا ما زال يعني عدم التوصل إلى حل سياسي وقانوني لقضية اللاجئين واستمرار مشكلتهم.
إن الصلات الفريدة بين اللاجئين الفلسطينيين والأونروا تتباين باختلاف البلد الذي تعمل فيه الوكالة، والسياق التاريخي، والمناخ السياسي، ومع ذلك، وخلافا للدعاية لإسرائيلية، فإن وجود الأونروا لم يشجع النضال الوطني الفلسطيني ولم يحتويه، بل تعامل الفلسطينيون مع الأونروا بطرق مختلفة كما فعلوا مع مؤسسات أخرى، وعلى مدار العقود القليلة الماضية، ضَمِنَ نضالهم وكفاحهم عدم نجاح الوكالة في إخماد قضيتهم السياسية.
والسؤال الذي ينبغي تسليط الضوء عليه هو ما إذا كانت البرامج التنموية وبرامج البنية التحتية في أماكن تواجد عمليات الأونروا ومرافقها مرتبطة بأجندات سياسية أشمل تسعى إلى الغاء وتهميش قضية اللاجئين وحقهم في العودة الى ديارهم، ثمة حاجة للنظر في هذه المشاريع بموازاة التغيرات السياسية الأخرى والمشاريع المطروحة؟؟، لأن الخطر المتربص هو أن تحاول إسرائيل إبرام اتفاقية “وضع نهائي” مع السلطة الفلسطينية بحيث تستطيع استخدامها في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وفي تلك الحالة، فإننا قد نسمع مجددا دعوات لحل الأونروا وتفكيك المخيمات الفلسطينية أو على الأقل تسليم مهامها إلى المؤسسات المحلية.
إن لوكالة الأونروا أهمية بالغة في ظل المناخ السياسي الراهن بالنسبة للنضال الوطني الفلسطيني وذلك للأسباب الرئيسية التالية:
– الوكالة طرف موقع على كافة قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
– برزت الأونروا، في ظل غياب جبهة وطنية تحتل فيها قضية اللاجئين مكانة مركزية في مشروع التحرير، كمؤسسة تحافظ على إبراز اللاجئين على الساحة الدولية، وتشير إلى أن ولايتها لا تزال قائمة.
– الأونروا تبقى في ظل غياب مؤسسات الدولة الخازن الأوحد والأهم للذاكرة الفلسطينية التاريخية اكثر من سبعة عقود، فقد احتفظت بسجلات اللاجئين منذ مطلع الخمسينيات وجمعت ذاكرة مؤسسية تشهد على هذا التاريخ الجمعي، ومع ذلك، فهذه الأسباب وغيرها لا تبرئ الأونروا من التلاعب بها سياسيا بيد القوى الدولية الكبرى، وهو ما يتطلب موقفا متيقظا من الفلسطينيين حيال توجهات الوكالة وسياساتها وبرامجها الحالية والمستقبلية.
د. باسم عثمان – كاتب وباحث سياسي