متخصص بالشأن الفلسطيني

من هو “الإنسان الحر”؟! منطلَق الإنسان الحر ومبادئه هي التي تُرشد أعماله، وليس شعار”الغاية تبرّر الوسيلة”  

من هو “الإنسان الحر”؟! منطلَق الإنسان الحر ومبادئه هي التي تُرشد أعماله، وليس شعار”الغاية تبرّر الوسيلة”

صبحي غندور
بعض الناس (كأفرادٍ أو كجماعات) تكون إرادتهم مُسيّرة من قِبَل آخرين، بفعل ظروف الحاجة أو بسبب الضغوط وعناصر القوة التي تفرضها إرادة البعض المتمكّنين بالمال أو بالسلطة وفق ما يُعرف بمصطلح “الترغيب والترهيب” أو “القدرة على المنح والمنع”. وهنا يحصل الفارق، بين منْ إرادتهم الذاتية مشلولة ويعيشون حياتهم في خدمة إرادة آخرين، وبين من إرادتهم حرّة لكن يعانون من “الترهيب أو المنع”. فالنّاس هم على درجاتٍ في المعرفة والعلم، أو بعناصر القوّة بمعناها الشامل للقوى المادية والمعنوية (المال والنفوذ والسلطة وأدوات القمع). وفي الحالات كلّها، تتوفّر للبعض إمكانات التحكّم بآخرين، وإعلاء أو تهميش من يرغبون. ويحصل هنا أيضًا الفارق بين من يرضون العيش في حالة الرضوخ لإرادة الآخرين، فتكون إرادتهم مُهمَّشة، حتّى لو لمعت أسماؤهم في المجتمعات، وبين من يرفضون هيمنة الآخرين على إرادتهم، ويصرّون على مواجهة الواقع المرفوض رغم كلّ العقبات.
إنّ المعيار في الحياة، من وجهة نظري، هو منطلَق الإنسان ومبادئه التي تُرشد أعماله، وليست النتائج التي تترتّب على هذا المنطلق والمبادئ، حيث يسقط هنا شعار: “الغاية تبرّر الوسيلة”. فلا يجوز مثلاً لكاتبٍ أن يجعل “قلمه” مرهونًا فقط لإرادة الآخرين من أجل تأمين “بحبوبة العيش” أو بحثًا عن الشهرة أو عن “الأمان الجسدي”. لذلك، من المهمّ لدى كل إنسان معرفة مدى استعداده لرفض أو قبول هيمنة “إرادة الآخر” كمبدأ. فكم من أسماء بارزة تتصدّر المجتمعات، وبعضها يصل أصحابها إلى مواقع مسؤولة عالية، كرئاسة دول أو حكومات، لكن إرادتهم تكون مرهونةً لآخرين، معلومين كان هؤلاء أم مجهولين. وكم من أصحاب إرادةٍ مستقلّة، لا نعرفهم ولا نسمع عنهم، ثمّ نكتشف لاحقًا دورهم الكبير في تغيير مجتمعات أو أحوال جماعات. فالتهميش الذي يحصل لهؤلاء هو خاضعٌ لنسبيّة المكان والزمان، لا لطبيعة أعمالهم أو ما قد تنجزه أعمالهم وافكارهم في المستقبل. هو أمرٌ مشابهٌ تمام الشّبه، بين إنسانٍ حرٍّ في تفكيره وعمله وإرادته غير أنّه بسبب حرّيته هذه معتقَلٌ في سجنٍ، وبين آخر طليق لكنه مستعبَدٌ من قِبَل آخرين رغم أنّه يملك جاهًا أو مالًا أو سلطة. فمَن، في هاتيْن الحالتين، هو “الإنسان الحر”؟!
فخيرٌ للإنسان المفكّر أو الكاتب أو الإعلامي أو الناشط في خدمة الناس، أن يكون خاضعًا للتهميش الإعلامي أو “الحصار” المالي أو الاجتماعي، من أن يكون فكره أو قلمه أو نشاطه مسيّرًا من آخرين، رغم لمعان اسمه هنا أو هناك.
ولعلّ في تجارب الإعلاميين والكتّاب عمومًا، الكثير من المحطّات التي يكون فيها الخيار هو بين “التهميش” وحرّية الفكر والكتابة والعمل من جهة، أو التلميع والثراء، لكن مع تجيير الفكر والقلم لصالح جهاتٍ و”أجندات” محدّدة.
الأمر نفسه ينطبق على المراكز والمؤسّسات الثقافية وعلى المنابر الإعلامية، حيث نجد الكثير منها يخضع لتأثيرات “المموّل” ومصالحه حتّى وإن تناقضت مع المبادئ التي قامت عليها هذه المراكز والمؤسّسات. فقد تكون في “أجندة المموّلين” أولويات قضايا ومسائل ليست بالضرورة هي الأولويات العملية لهذه المؤسّسات، لذلك يحصل الخيار هنا أيضًا بين “راحة العمل” أو “راحة الضمير”!!.
وإذا كانت أبرز سمات المرحلة الراهنة عربيًّا هي هيمنة سياسات المحاور والتشرذم العربي، والانقسامات والصراعات القائمة على مضامين طائفية ومذهبية وإثنية وإقليمية، مع استمرار تهميش القضية الفلسطينية وأولوية الصراع مع إسرائيل، فإنّ من ينشط فكريًّا وعمليًّا من المؤسّسات أو من الإعلامين والكتّاب لتصحيح مسار هذه المرحلة، داخل المنطقة العربية وخارجها، يُصبح من “المهمّشين” أو من “المغضوب عليهم”!. فالواقع السلبي العربي الراهن هو حصاد لما جرى زرعه في السنوات الماضية، ولما يتمّ التشجيع عليه فكريًا وإعلاميًا من جهاتٍ محلّية وخارجية، نافذة وقادرة، ولها مصالحها فيما يحدث من صراعاتٍ وانقسامات.
ولا أعلم لِمَ تراود ذهني صورةٌ أتخيّل فيها معظم العرب كلّهم أشبه بمساجين في معتقل كبير، ومدراء السجن الأجانب ووكالاؤهم الضباط المحلّيون يتركون للسجّانين “حرّية الحركة” في التعامل مع المسجونين في زنزاناتٍ متفاوتة الدرجة والخدمات ..
في هذا السجن الكبير، يتصارع بعض المعتقلين مع أنفسهم على مقدار المساحة المخصّصة لهم في كلّ زنزانة، ويشتبك آخرون مع بعضهم البعض فقط لأنّهم عاجزون عن صبّ غضبهم مباشرةً على ضابط السجن أو حتّى على السجّان الأجير نفسه!
وكما في السجون العادية، كذلك في صورة هذا “السجن العربي” الكبير، يفرز المعتقلون أنفسهم إلى مجموعات يتزعّم كلٌّ منها الأشدّ عنفاً، وتكون معايير الفرز أحياناً إثنية أو دينية أو ثقافية أو اجتماعية، أو ربّما مجرّد مصالح نفعية مشتركة!. لكن أخطر ما في صورة هذا “السجن العربي الكبير” هو دور مدير السجن في تشويه أجساد وقيم المعتقَلين.
هكذا هو حال الأمّة العربية طيلة العقد الماضي وما حصل فيه من انشدادٍ كبير إلى صراعاتٍ داخلية وإقليمية، في ظلّ هيمنةٍ أجنبية على مصائر البلاد العربية واستغلالٍ إسرائيلي كبير لهذه الصراعات والأزمات. وضحايا هذه الصراعات العربية ليسوا فقط من البشر والحجر في الأوطان، بل الكثير أيضاً من القيم والمفاهيم والأفكار والشعارات.
فالحرّية والديمقراطية أصبحتا مطلبين يتناقضان الآن، فالنماذج الديمقراطية المعروضة، أو المفروضة، تقوم على قبولٍ بالاحتلال أو بالوصاية الأجنبية على الأوطان من أجل الحصول على آلياتٍ ديمقراطية في الحكم!. أمّا المقاومة ضدَّ الاحتلال الإسرائيلي، فقد أصبحت “مذهباً” لدى الرافضين لها، فإذا كنت تتحدّث عن ضرورة مقاومة إسرائيل، فأنت “فارسي” أو “متشيّع” حتى لو كنت من المسيحيين العرب أو من سكان قطاع غزة!.
التشويه يحصل أيضاً للصراعات الحقيقية في الماضي والحاضر، وللأهداف المرجوّة في المستقبل، ولمواصفات الأعداء والخصوم والأصدقاء، بحيث لم يعد واضحاً من هو العدوّ ومن هو الصديق، وفي أيِّ قضيةٍ أو معركة، ولصالح من؟!.
إنّ الخروج من هذا السجن العربي الكبير يتطلّب أولاً  إعادة تعريف “الإنسان العربي الحر” وكسر القيود الدامية للشعوب، وفكّ أسر الإرادة العربية من الهيمنة الخارجية، الإقليمية والدولية، وتحرير العقول العربية من تسلّط الغرائز والموروثات الخاطئة.
ورحم الله الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي حينما استبق في قصيدته المشهورة عن: “ولا بدّ للّيل أن ينجلي.. ولا بدّ للقيد أن ينكسر”، قوله: “إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة”… فهنا تكون البداية لكي يستجيب القدر!.
صبحي غندور
*مدير “مركز الحوار العربي” في واشنطن
Twitter: @AlhewarCenter
Email: Sobhi@alhewar.com

آخر الأخبار
عبد المجيد: نحيي الشعب اليمني الشقيق وفصائل المقاومة والقوى والهيئات والفعاليات الوطنية الفلسطينية ت... عمليات حزب الله الرادعة والمتصاعدة تجاه مواقع جيش الإحتلال..وتواصل العمليات النوعية ضد العدو الصهيون... محذرين من اقتحام رفح..حركة أنصار الله تعلن بدء المرحلة الرابعة من التصعيد ضد "إسرائيل"تحت عنوان (وفا... مصادر عبرية: بلينكن ناقش "الرؤية العربية" لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في قطاع غزة وفتح مسار سياسي ... مسؤولون إسرائيليّون يدرسون خطة للإشراف على قطاع غزة بمشاركة مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات ... المبادئ الأساسية لمقترح الاتفاق بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، الاتفاق من 3 مراحل أسا... حزب الله يُعرِّض الجبهة الداخليّة في كيان العدو للخطر الكبير..تهجير سُكّان الشمال انتصار إستراتيجي ل... خارطة طريق من 4 مراحل.. مصدر فلسطيني يكشف تفاصيل الورقة العربية للسداسي الذين اجتمعوا في الرياض لإقا... حركة أنصار الله تبثّ مشاهد غير مسبوقة لقصف سفينة بطائرة مسيّرة قيادة جبهة النضال الشعبي الفلسطيني تلتقي قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وتقدم التهاني بإنتها... عبد المجيد في حديث صحفي له اليوم :"الانتفاضة في الضفة الغربية تشكل منعطفا حاسما في الصراع مع الصهيو... القسام يستدرج قوة صهيونية إلى كمين ألغام وسط قطاع غزة ومقتل 3 جنود صهاينة وإصابة 11 ويستهدف قيادة ال... الزلزال الإيراني وبسالة قوى المقاومة الذي ضرب عقيدة التفوّق الإسرائيلي..والمهانة التي شكّلتها الصوار... احتجاجات الجامعات الأميركية والأوروبية ضد دعما لفلسطين وضد الحرب غزة تتصاعد، والتوتر بين الطلاب والش... ظهور وتفقد "السنوار” وأبو عبيده لجبهات القتال يمزقان ما تبقى من ادعاءات وأكاذيب نتنياهو وجيشه ويصيبه... مصادر تكشف لـ”رأي اليوم”: دول عربية قدّمت عُروضًا “مُغرية” لحركة “حماس” لنزع سلاحها مُقابل الحُصول ع... انتقام إيران من"إسرائيل"وتوجيه صواريخها ومسيراتها في عمق الكيان:المسرح والمتفرجون-الوجود الأمريكي في... قراءات الإعلام والخبراء بالشؤون الإسرائيلية .. انتصر الإيرانيون قبل أن يطلقوا صواريخهم علينا.. اللقاء التضامني الفلسطيني - السوري مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق إصابة ثلاثة مستوطنَين بعملية دهس غرب مدينة القدس المحتلة، وتخبط وإرباك في صفوف الشرطة.* الخامنئي: القوات المسلحة قدمت صورة جيّدة لقدراتها وأثبتت قوة إرادة شعبنا وإمكانياته على الساحة الدول... السيد عبد الملك الحوثي: لا يمكن أن يكون هناك استقرار والعدو الصهيوني محتلا لفلسطين *رئیس الجمهوریة الإيرانية إبراهيم رئيسي: دور اليمن ومبادراته وخطواته الشجاعة في البحر الأحمر وتجاه ا... عيد البعث والجلاء والقضية الفلسطينية العرض التعبوي للفصائل الفلسطينية #طوفان_الأحرار #طوفان_الأقصى