اغتيال نصر الله..كيف سيؤثر على مستقبل حزب الله ومحور المقاومة ومشهد الصراع في المنطقة..؟
اغتيال نصر الله..كيف سيؤثر على مستقبل حزب الله ومحور المقاومة ومشهد الصراع في المنطقة..؟
السبت 28/سبتمبر/2024
بيروت: مرحلة جديدة وتحول كبير تشهده المنطقة عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بغارات إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، أمس الجمعة، ضمن ضربات متلاحقة نفذها كيان الاحتلال الإسرائيلي خلال الشهر الحالي، كان من أبرزها عملية تفجير البيجر واغتيال قادة كبار في حزب الله في المستويات الأعلى له، مما يطرح التساؤلات عن مستقبل الحزب بعد هذه الضربات الشديدة واستشهاد أكبر قياداته، وكذلك عن مستقبل الصراع مع الاحتلال في المنطقة برمتها إثر هذا التطور الخطير.
وخلال الأسابيع الماضية نفذت قوات الاحتلال سلسلة من الاغتيالات بحق أكبر قيادات في حزب الله، وعلى رأسهم: فؤاد شكر، ووسام الطويل، وإبراهيم عقيل، وأحمد وهبي، وإبراهيم قبيسي، ومحمد حسين سرور، وغيرهم من القادة الميدانيين والعسكريين، لكن عملية اغتيال نصر الله كانت الأخطر والأهم في تاريخ الصراع الطويل بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي.
عهد بمواصلة النضال
ونعى حزب الله في بيان رسمي، أمينه العام السيد حسن نصر الله، متعهدًا بمواصلة النضال ومؤكدًا أن هذه الضربات ستزيده إصرارًا على مواصلة الجهاد ضد الاحتلال، وقال: “إن قيادة حزب الله تعاهد الشهيد الأسمى والأقدس والأغلى في مسيرتنا المليئة بالتضحيات والشهداء أن تواصل جهادها في مواجهة العدو وإسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه الصامد والشريف”.
وخاطب البيان “المجاهدين الشرفاء وأبطال المقاومة الإسلامية المظفرين والمنصورين” مؤكدًا لهم أن “قائدنا سماحة السيد ما زال بيننا بفكره وروحه وخطه ونهجه المقدس، وأنتم على عهد الوفاء والالتزام بالمقاومة والتضحية حتى الانتصار”.
تنديد وإدانة
وقوبلت عملية اغتيال نصر الله بتنديد وإدانة من عدة دول وكيانات وشخصيات، من بينها: لبنان، وإيران، والعراق، وتركيا، وروسيا، وكذلك حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، إضافة إلى جماعة أنصار الله في اليمن، ومفتي سلطنة عُمان الشيخ أحمد الخليلي.
ومن جهته قال نائب رئيس حركة حماس في قطاع غزة عضو المكتب السياسي خليل الحية، إن اغتيال الاحتلال الصهيوني المجاهد الكبير حسن نصر الله وإخوانه من قادة الحزب هو عمل إرهابي مكتمل الأركان، وانتهاك لسيادة لبنان، وتوسيع لدائرة عدوانه، ويتحمل الاحتلال مسؤوليته وتداعياته.
وأكد خليل الحية في كلمة مسجلة له أن الاحتلال الصهيوني لن يفلح في كسر إرادة المقاومة الباسلة، بل سيكون عنوان مرحلة من مراحل الثأر المقدس لكل الدماء النازفة.
خليل الحية
في سبيل القدس
وأضاف: قضى السيد حسن نصر الله شهيداً بعد حياة حافلة بالتضحية والمقاومة استشهد فيها نجله وأحباؤه، وما وهن يومًا، بل واصل العمل في كل الميادين دفاعًا عن كرامة هذه الأمة وسيادتها، وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى المبارك حتى نال ما يتمناه الأحرار والشرفاء باستشهاده على طريق ذات الشوكة.
وأشار إلى أن الشهيد حسن نصر الله ترك من خلفه رجالاً أشداء يحملون الراية من بعده، يكملون المسير نحو القدس، ويواصلون مشاركتهم في طوفان الأقصى وإسناد غزة في معركتها.
وقال: إننا وقد خبرنا إخواننا في حزب الله لواثقون من قدرتهم على سرعة ترتيب صفوفهم والاستمرار على ذات النهج الذي سار به سماحة السيد حسن نصر الله، ولن يفلح العدو الصهيوني في خلق أي فراغ في مؤسساته القيادية.
وشدد على أن المقاومة اليوم وهي تقدم قادتها وكوادرها شهداء، لن تهزم أبداً بإذن الله، بل تزيدها هذه الدماء قوة وصلابة وعزيمة لا تلين للمضي على خطى القادة.
وأكد أن حماس وحزب الله وكل قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والمنطقة ستواصل طريق الجهاد والمقاومة، واثقة من حتمية النصر بإذن الله، وتدرك أن هذا الاحتلال وإن تجبر فإنه زائل لا محالة بحول الله وقوته.
دعم حتى الشهادة
وفي آخر كلمات الشهيد القائد حسن نصر الله قبل استشهاده أكد أن دور حزب الله في الحرب الدائرة هو دور دعم وإسناد للمقاومة في قطاع غزة وكامل فلسطين، وأن الضربات التي تلحق الحزب تستهدف فصل الجبهتين (غزة ولبنان) للانفراد كل منهما، متعهدًا بأن هذا لن يحدث.
وأضاف نصر الله في كلمته الأخيرة أن دعم حزبه لغزة من خلال الضربات التي يوجهها لكيان الاحتلال، لن يتوقف حتى تتوقف الحرب على قطاع غزة، وأن مستوطني الشمال لن يعودوا إلى الأماكن التي نزحوا منها، مؤكدًا أن هذا يُعد تحديًا منه لنتنياهو.
نهوض متجدد
وتعليقًا على عملية الاغتيال قال الباحث والكاتب السياسي علي مطر: إن حزب الله سيلملم جراحه وسينهض مجددًا لاستكمال مشروعه، موضحًا أن الحزب، كقوة مقاومة، هو مشروع مستمر لا يتوقف رغم أن المصاب كبير والضربة قاسية.
وأشار مطر، في حديث للجزيرة، إلى أنه سبق أن استشهد أمينه العام السابق، عباس الموسوي، وانتُخب حسن نصر الله لمتابعة المسيرة، كما تمكن الحزب من طرد الاحتلال من لبنان عام 2000، وخاض حربًا ناجحة ضد إسرائيل سنة 2006.
وعن موقف الحزب اليوم، أوضح مطر أن الهدف هو استكمال هذه المسيرة، ومن المتوقع أن يتم تعيين أمين عام جديد بعد مراسم التشييع، وإذا ما تم ذلك، فإنه -برأيه- من المحتمل أن يتبنى موقفا قويًّا في القضايا المتعلقة بالقدس؛ “حيث كانت فلسطين دائمًا محور اهتمام نصر الله”.
ولفت إلى أن الوفاء لدم نصر الله يعني التزام الحزب باستكمال مشروعه مما يجعل من الصعب إيقافه، ورغم أن قواعد اللعبة قد تغيرت بشكل كبير، فإن هناك تحولات مهمة ستحدث “مما يضعنا في مراحل حساسة وخطيرة”، ومن المهم الانتظار لمعرفة كيف سيكون موقف حزب الله، حيث ستحدد هذه المواقف الخطوات التالية.
وأكد الباحث مطر ضرورة استمرار المساندة لغزة وفلسطين، مشيرًا إلى أن حزب الله لن يتراجع عن هذا الالتزام. وتوقع مشاهدة مواجهة قد تكون من أخطر المواجهات في تاريخ الحزب.
ليس مكسبًا حربيًّا
ويرى الكاتب والمفكر الفلسطيني، منير شفيق أن المنطقة قد دخلت مرحلة جديدة سمتها الأساسية هي نقل ثقل الحرب من قطاع غزة إلى جنوب لبنان، مبرزًا أن الاغتيالات لا تغير موازين القوة ولا تحسم الحرب.
وقال شفيق -في مقابلة مع قناة الجزيرة- إن الاغتيالات لا تكسر الحروب ولا تكسبها، ولا تؤثر ولا تغير في موازين القوة، وتكمن خطورتها في كون تأثيرها يكون فرديًّا ومعنويًّا ونفسيًّا.
ووصف الاغتيالات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي ضد القيادات اللبنانية والفلسطينية بأنها عمليات خسيسة ودنيئة، ولن تكسبه الحرب، بل تكسبها عدالة القضية، وهناك دلائل تاريخية على ذلك.
وشدد على أن إسرائيل في حالة خسارة وضعف، رغم العدوان والاغتيالات التي تقوم بها، وقد لاحظ العالم كيف كان منظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي شهد انسحابا كبيرا للمشاركين.
ورأى أن كل ما يفعله الاحتلال في الوقت الراهن سيكون موضع إدانة وخسارة له في المرحلة المقبلة، لأن لا أحد سيستسلم أو يرفع الراية، وقال إن المقاومة والقضية الفلسطينية في هذه المرحلة أفضل من أي مرحلة سابقة من حيث قوتها وقدرتها. وتوقع أن يسقط نتنياهو ويفشل، لأن “الحمقى والمخالفين لموازين القوة والوقائع لا ينتصرون”.
منير شفيق
منير شفيق
“الاحتلال يخسر”
وفي المقابل، توقع المفكر الفلسطيني أن تنتصر المقاومة في قطاع غزة وفي لبنان، وقد كسبت المعركة السياسية والأخلاقية والرأي العام العالمي، في حين خسرها الاحتلال الذي يواجه معارضة دولية بسبب المجازر التي يرتكبها بحق الأطفال والنساء.
وأعرب عن ثقته بأن المرحلة التاريخية التي كان فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي يحسم المعارك قد انتهت، طالما أنه غير قادر على حسم المعركة في غزة ولبنان.
ومن جهة أخرى، تطرق المفكر الفلسطيني في مقابلته مع قناة الجزيرة إلى مسألة تطبيع دول عربية مع الاحتلال الإسرائيلي، وقال “إن التطبيع أكل ضربة كبيرة”.
مواقف خالدة
يشار إلى أنه في العام 1992، اغتال كيان الاحتلال الأمين العام الأوّل لحزب الله في لبنان السيد عباس الموسوي، ليخرج في وقتها الأمين العام الأول لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي قائلًا في رثائه له: “إنَّ حركة يستشهد أمينها العام لن تُهزم، ولن تنكسر، ولن تتراجع، ولن تعود إلى الخلف.. وستظل الحركة التي تحمل نهجك تتقدم وتتقدم إلى القدس.. إلى فلسطين”.
وفي عام 1995 اغتال الاحتلال الدكتور الشقاقي، ليخرج وقتها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مرددًا ذات الكلمات التي قالها الشقاقي بحقه، فقال “أما أنت يا أبا إبراهيم فقد أديت الأمانة وجاهدت بالله حق الجهاد إن كنت وقفت بالأمس في ذكرى أخيك وحبيبك سيد شهداء المقاومة الإسلامية في لبنان السيد عباس الموسوي لتقول بورك حزب يستشهد أمينه العام وإن حزباً يستشهد أمينه العام لا يهزم فأنا اليوم أقف أمام جثمانك الطاهر لأردد كلمتك، إن حركة يستشهد أمينها العام لن تهزم.. ولن تنكسر، ولن تتراجع، ولن تعود إلى الخلف، وستظل الحركة التي تحمل نهجك، وتحمل رأسك، وتحمل روحك، تتقدم وتتقدم إلى القدس، إلى فلسطين، كل فلسطين”.