هل فشِل لقاء المصالحة الفلسطيني في الجزائر قبل أن يُعقد؟
هل فشِل لقاء المصالحة الفلسطيني في الجزائر قبل أن يُعقد؟
*أحمد الطناني – غزة
أعلن عدد من الفصائل والقوى الفلسطينية أنّها تلقت دعوات للمشاركة في الحوار الوطني الشامل للقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية الذي ترعاه دولة الجزائر في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي.
الدعوة الجزائرية جاءت بعد عدة جولات من اللقاءات التي أجرتها وزارة الخارجية الجزائرية مع الفصائل الفلسطينية، كان آخرها دعوة وفدين منفصلين لكل من حركتي حماس وفتح في أواخر أيلول/ سبتمبر المنصرم، ترأس فيها وفد فتح نائب رئيسها محمود العالول، ووفد حماس رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية فيها، خليل الحية.
ارتكزت الخطة الجزائرية على أن تكون اللقاءات مع وفدي حماس وفتح بشكل منفصل، يتمّ فيها نقاش الورقة الجزائرية (خارطة الطريق) من كلا الوفدين، وأخذ الملاحظات بعين الاعتبار، واستثمار أي أجواء إيجابية تنتج عن اللقاءات، في عقد لقاء مباشر يجمع الوفدين، يفضي إلى الإتفاق على صيغة مشتركة يتوافق عليها طرفا الإنقسام الفلسطيني، بحيث يتمّ عرضها للتوافق الفلسطيني الواسع في اللقاء الذي يشمل كل القوى والفصائل الفلسطينية مطلع أكتوبر.
لم تكن الأجواء في اللقاءات المنفردة على الشكل الذي تمنّت الجزائر الوصول إليه، لا في داخل أروقة المحادثات، ولا خارجها، إذ ألقت الأحداث التي اندلعت في مدينة نابلس بظلالها على طبيعة المحادثات، حيث لم يكن حدث بحجم حدث اعتقال مطارد قيادي في كتائب القسّام (الجناح العسكري لحركة حماس) في مدينة نابلس على أيدي الأجهزة الأمنية بتزامن مع وصول وفدي فتح وحماس إلى الجزائر إلا رسالة سلبية واضحة حول الإتجاه الذي ستذهب إليه المحادثات “ذهب البعض إلى أنّها رسالة من بعض الأطراف المتنفّذة في السلطة تهدف إلى إفشال الحوار قبل بدايته”.
وُصفت الورقة الجزائرية بأنّها تحتوي عناوين الإجماع الوطني “الفضفاضة” مع بعض المهمات التفصيلية دون معالجة أسباب تعطُّلها
فشِل جمع وفدي فتح وحماس في لقاء مباشر، في ما قدّم كل وفد ملاحظات على الورقة الجزائرية، التي وُصفت بأنّها ورقة تحتوي عناوين الإجماع الوطني “الفضفاضة” مع بعض المهمات التفصيلية دون معالجة أسباب تعطُّلها، مثل قضية تنظيم الإنتخابات العامة، أو الذهاب لمجلس وطني توحيدي، وحكومة الوحدة الوطنية وبرنامجها السياسي، وهي صيَغ سهّلت لكلا الطرفين الموافقة عليها من حيث المبدأ، دون التوافق على الآليات المفترضة لنقلها من الورق والإتفاقيات إلى الواقع.
حمل البيان الختامي للجنة المركزية لحركة فتح الذي قاده رئيس السلطة والحركة محمود عباس، جملة أعطت إجابات على الكثير من التساؤلات حول مدى المرونة التي يمكن أن تُبدى من الرئيس تجاه المصالحة، حيث أكد البيان أنّ هناك قرار مركزي في حركة فتح بالتجاوب مع جهود المصالحة المبذولة من قِبل مصر والأشقاء العرب، والعمل على إنجاحها لتحقيق المصالحة الفلسطينية “المستندة لقرارات الشرعية الدولية”، فالشرعية الدولية التي يتمسك بها الرئيس هي الموافقة على قرارات الرباعية الدولية كشرط لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما ترفضه حركة حماس والعديد من الفصائل جملة وتفصيلا.
إنّ فرص نجاح اللقاء هي على عكس ما يتوقعه كل الشارع الفلسطيني “للأسف الشديد”.
(حماس)
من جانب آخر ورغم ترحيب حماس العلني بجهود الجزائر للمصالحة، وتأكيد الناطق باسمها أنّ “حماس تتعاطى بجدية كبيرة وإيجابية واضحة مع الجهد الجزائري بشأن المصالحة الفلسطينية، وهي بالفعل معنية بإنجاحها”، إلا أنّ تصريحات عضو المكتب السياسي للحركة محمود الزهار تؤكد أنّ حماس ترى أنّ مخرجات الحوار ستكون عكس ذلك، حيث أكد أنّ حماس ستقول إنّ الوحدة الوطنية “ليست على أساس التعاون الأمني المدنّس”، مضيفاً أنّ فرص نجاح اللقاء هي على عكس ما يتوقعه كل الشارع الفلسطيني “للأسف الشديد”.
إضافة لما سبق في التصريحات، هناك أيضاً ما يؤكد فرضيات أنّ الحوار في الجزائر لن يكون سوى لقاءً برتوكوليا، وهو مستوى الوفود المشاركة بالحوار، إذ لن يشارك ممثلاً عن أي فصيل من الفصائل الرئيسية لا رئيس الحركة، ولا نائبه، بل هو تمثيل على مستوى مسؤولي الملفات التي يقع ضمن مسؤوليتها العلاقات الوطنية والعربية، حيث سيرأس وفد فتح عزام الأحمد، ووفتح حماس خليل الحية، ووفد الجهاد وليد القططي، ووفد الجبهة الشعبية عمر مراد، ما يعني إيقان الفصائل المشاركة أنّ لا اختراق جدي قد يجري تحقيقه في جولة الحوار التي ترعاها الجزائر.
بالرغم من أنّ الجزائر قد بذلت جهداً كبيراً في محاولة رأب الصدع الفلسطيني، وتوحيد الصف قبيل انعقاد القمة العربية في الجزائر مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وعملت على التروي وتنفيذ عدة جولات إستكشافية قبل تقديم رؤيتها، بما يضمن إشراك الكلّ الفلسطيني، وعدم التصادم مع الجهود المصرية لإنهاء الانقسام، بل التكامل معها، إلا أنّ أزمة الانقسام الفلسطيني أكبر وأعمق من جولات حوار مكوكية على مستوى الفصائل، فالانقسام ليس صنيعة فلسطينية بحتة، بل هناك أطراف إقليمية ودولية تعمل على تعزيزه وتغذيته.
الرهان على “لابيد”
في ذات السياق، ورغم كل الدلائل التي تؤكد وصول البرنامج السياسي المستند إلى مخرجات “أوسلو” والتمسّك بما يُسمى “العملية السلمية” إلى حائط مسدود، إلا أنّ أصحاب هذا الطرح لا زالوا يراهنون على إعادة إحياء مسار المفاوضات، والتمسّك بشروط الرباعية الدولية “التي لم تعد منعقدة أساسا”، وسط تمسّكهم بالهيمنة على مستويات صنع القرار الفلسطيني الرسمي، سواء على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية، أو مؤسسات السلطة، وهذا الفريق ذاته وجد ضالته في إعلان رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد دعمه لحل الدولتين، وهو إعلان بمثابة “قبلة حياة” جديدة لمشروعهم، مما أعادهم إلى مسلسل “الانتظارية السلبية” لعل إنتخابات “كنيست” الاحتلال تفضي إلى عودة لابيد إلى مقعد رئاسة الوزراء في رهان على إمكانية وجود أفق لاستئناف المفاوضات.
من المؤسف أنّ الشعب الفلسطيني سيبقى رهينة وستبقى الفرص السانحة لتحقيق المصالحة تذهب أدراج الرياح بسبب رهانات على خيارات خارجية، بدل التركيز على أنّ الأساس والمنطلق يتمثّل في إصلاح البيت الفلسطيني، وترميم المشروع الوطني وإعادة تصويب بوصلته باعتباره مشروع تحرير وليس سلطات لحكم ذاتي هنا أو هناك قائمة على استجداء تسهيلات إقتصادية وحياتية من الاحتلال، في الوقت الذي يتمادى فيه الاحتلال يومياً في عدوانه على الحجر والبشر والوعي.
الإشارات التي يرسلها الميدان وجنود المقاومة الفلسطينية على امتداد الأراضي الفلسطينية، عبر تجاوز الحزبية والانقسامات الفصائلية والتوحّد خلف فكرة المقاومة والمواجهة، متّخذين من انتماءاتهم وسيلة للإسهام في تصعيد الاشتباك وليس غاية تهدف إلى نفي الآخر، إشارات تؤكد أنّ الوعي لدى المقاومين في كتيبة جنين، وعرين الأسود بات أكثر تقدماً من قيادات الانقسام التي تتمسّك بمنجزات شكلية باتت تشكّل غطاء لشبكة مصالح ضخمة من مستفيدي الانقسام على حساب المصلحة الوطنية العليا، من لم يلتقط هذه الإشارات، حتماً سيتجاوزه الواقع وسيلعنه الزمان، لأنّ الوقت من دم والتاريخ لا يرحم.
*كاتب فلسطيني