كفاح الشعب الفلسطيني يتصاعد في ظل “قيادة متراجعة”ووضع إقليمي متراجع بسبب التطبيع، ووضع دولي معقد بسبب الصراعات
كفاح الشعب الفلسطيني يتصاعد في ظل “قيادة متراجعة”ووضع إقليمي متراجع بسبب التطبيع، ووضع دولي معقد بسبب الصراعات…
مر عام على “هبة الكرامة” أو “انتفاضة كل فلسطين”، بغض النظر عن التسميات، فقد تزامنت الذكرى الأولى لهذه الهبة، مع الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة والتهجير، حيث أتت هذه الذكرى في ظل واقع فلسطيني خاص، تتصاعد فيه وتيرة المقاومة، ووضع إقليمي متراجع بحكم انتشار ظاهرة التطبيع من قبل الحكومات العربية، وظرف عالمي معقَد جدا بحكم الصراعات والصدامات، إذ يترك هذا الوضع آثاره على القضية الفلسطينية كما يتجلى في استمرار النّكبة عبر سياسات التّهجير القسري والاستعمار الإحلالي ومصادرة الأراضي ونهب المصادر الطبيعية، والضم، والقمع، والتنكر لحقوق الإقامة، والعزل والفصل والتجزئة، وهدم البيوت، وفرض أنظمة التخطيط والتصاريح العنصرية. وما التّهجير القسري الواقع حاليا في النقب والشيخ جراح ومسافر يطَا والأغوار، إلا أمثلة صارخة على النّكبة المستمرة، وعلى التواطؤ مع كلّ خطاب يدعو إلى التّصالح مع المنظومة الاستعمارية أو الانخراط فيها. كما تكثفت معاناة الشعب الفلسطيني منذ العام الماضي وحتى اليوم بحكم: العنف المنظم من قبل الجماعات اليهودية الإسرائيلية اليمينية المتطرفة ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم على جانبي الخط الأخضر، مع حماية الشرطة والجيش وتواطؤهما. كذلك الاستخدام المفرط للقوة والعنف من قبل الشرطة الإسرائيلية والجيش ضد المتظاهرين الفلسطينيين السلميين والاعتقالات الجماعية والتعسفية.
الاجتياحات المتكررة واستهداف المدنيين والعودة إلى سياسة العقاب الجماعي حفَزت الفلسطينيين والفلسطينيات على المقاومة والكفاح ضد استمرار الاحتلال.
أيضا هناك ما نشهده منذ عام 1967 أي منذ احتلال مدينة القدس من محاولات طرد المقدسيين والمقدسيات، حيث أسست المنظومة الاستعمارية مجموعة قوانين تستخدمها لطرد أصحاب الأرض الأصليين وكجزء من سياسة تهويد مدينة القدس واستكمالا لسياسة التطهير العرقي والنكبة المستمرَة، فقد تصاعدت وتيرة هدم البيوت وطرد سكانها المقدسيين، والتي أدت إلى حدوث مواجهات شاملة في كل فلسطين التاريخية في أيار الماضي، وأيضا كانت دفاعا عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتحديدا المسجد الأقصى ضد مداهمات المستوطنين واعتداءاتهم المتكررة على سكان القدس المحتلة.
بالمحصلة لم يتوقف الشعب الفلسطيني عن طريق النضال والكفاح ضد كل هذه السياسات خلال العام المنصرم، بل أصبحت المواجهات شبه يومية وفي النهار وفي الليل ضدَ اعتداءات المستوطنين وبحماية جيش الاحتلال. في بعض المناطق مثل جنين، قرى نابلس، كل يوم هنالك شهداء، وخاصة من الشباب، وحتَى الأطفال لم ينجوا من القتل والاعتقال. كذلك في أراضي 48 وتحديدا في النقب بسبب استمرار سياسة هدم القرى في النقب، حيث شهدت منطقة النقب، مؤخرا، تضييقا ممنهجا ضد المواطنين العرب وتحديدا في منطقة النقع من قبل السلطات الإسرائيلية وعلى رأسها ما تسمى “كيرن كييمت ليسرائيل” (الصندوق القومي / الدائم لإسرائيل – “كاكال”)، التي أقدمت على تجريف مساحات واسعة من الأراضي في القرى غير المعترف بها، من بينها سعوة والأطرش والرويس تمهيدا لتشجيرها ومصادرة الأراضي.
في حين لجأت المنظومة الاستعمارية إلى سياسة الاجتياحات المتكررة واستهداف المدنيين (مخيم جنين مثلا)، هدم المباني بأوامر عسكرية، والانتقام والعودة إلى سياسة العقاب الجماعي كانتقام ومعاقبة العائلة والبلد الذي يتجرأ على مقاومة الاحتلال، وهذا حفَز الفلسطينيين والفلسطينيات على المقاومة والكفاح ضد سياسة العقوبات الجماعية وضد استمرار الاحتلال.
نلاحظ أنه في شهر رمضان الماضي في 2021، ورمضان هذا العام هناك مواجهات يومية يخوضها المقدسيون والمقدسيات بمشاركة فلسطينيي 48، ومن نجح من الفلسطينيين/ات من الضفة الغربية بالوصول إلى القدس مع الجيش والشرطة وعصابات المستوطنين، والمواجهات الليلية اليومية في داخل باحات المسجد الأقصى وفي منطقة “باب العامود” وفي البلدة القديمة، وما جرى أثناء احتفالات الفلسطينيين والفلسطينيات المسيحيين /ات بعيد الفصح المجيد، حيث تشكل مجتمعة نوعا جديدا من المقاومة الميدانية، وآخرها ما جرى بعد استشهاد الصحافية، شيرين أبو عاقلة في جنين، ومراسم التشييع الشعبية التي جرت لها ابتداء من جنين، مرورا بنابلس، وفي رام الله حيث جرى تنظيم مراسم تأبين شعبية قبل أن تكون “رسمية”، وانتهاء بتشييعها إلى مثواها الأخير في القدس، وكافة المواجهات التي جرت مع جيش وشرطة الاحتلال، وضرب النساء والشباب، ومحاولات منع رفع العلم الفلسطيني، ومحاولات منع الناس من المشاركة في الجنازة، إلا أن آلاف الفلسطينيات والفلسطينيين شاركوا، ومنذ سنوات بعيدة لم تر مدينة القدس حشودا مثل هذه، بمشاركة الفلسطينيات والفلسطينيين من كافة أراضي فلسطين التاريخية الموحَدة، ما عدا قطاع غزة بسبب الحصار.
أيضا تنوَعت أساليب النضال، فبالإضافة إلى المظاهرات، شهدنا في الأشهر الأخيرة حدوث بعض العمليات، الفردية من خارج الأطر التنظيمية وفق تقدير كاتبة المقالة، التي استهدفت المستوطنين والجيش، في مناطق مستعمرات إسرائيلية داخل مناطق 48 وهذا تطوَر جديد لا نعرف الى أين ممكن أن يصل.
أمام هذا الشعب المنتفض والمكافح، نرى أن القيادة الفلسطينية التاريخية ليست على مستوى الحدث فقط، وإنما متراجعة بشكل كبير، وأحيانا كثيرة متساوقة ومهادنة مع سياسة المنظومة الاستعمارية، حيث ما زالت السلطة الفلسطينية منذ قيامها بموجب اتّفاقيات أوسلو “الكارثية” توهم نفسها وشعبنا بإمكانية تحقيق حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف بالاعتماد على خطابات الاستجداء. بل ما زالت تتبع منهج وسياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتضرب عرض الحائط بقرارات المجلس المركزي الذي اتخذها في دورته السابعة والعشرين التي انعقدت في مارس/ آذار 2015 والتي دعت إلى وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم هذه السلطة وأجهزتها الأمنية بملاحقة واعتقال النشطاء الحقوقيين، والمعارضين لسياستها سواء بالمجال الوطني، أو على المستوى الداخلي الفلسطيني، وكانت الذروة باغتيال الشهيد نزار بنات في الصيف الماضي والذي على أثره قمعت كافة الاحتجاجات الشعبية بطرق ذكّرتنا بما يجري من قمع من أنظمة الاستبداد العربية. وطاول القمع الجامعات الفلسطينية. وأيضا قرارها السابق بإلغاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والتي كان جزء كبير من الفلسطينيين في الضفة الغربية يأملون من خلالها تغيير النظام السياسي.
أما على مستوى الفصائل الوطنية فهي أيضا غائبة عن أخذ دورها، فقد أضحت مهمشة وكأنها منقرضة، فلم يبق منها إلا الأمناء العامون وأعضاء المكاتب السياسية، وباتت اعتراضاتها على سياسة السلطة شكلية فقط ومجرد شعارات وخطابات رنانة، وذلك بسبب ارتباط جزء كبير منها في منظومة السلطة لا سيما ماليا. أما حركة الجهاد الإسلامي، فهي غير متواجدة عسكريا في الضفة الغربية وفق معلومات كاتبة المقالة، أمَا حركة حماس، والتي تتحكم في قطاع غزة فلديها استراتيجية أخرى وتحاول أخذ دور سلطة فتح في الضفة.
في غياب مكانة ودور هذه الفصائل وتحديدا “اليسارية” انتشرت ظاهرة العشائر ونمى دورها في المسائل الداخلية، كما تبدى في نتائج الانتخابات المحلية البلدية، كما تنازلت بعض الفصائل الوطنية عن رؤاها وبرامجها الاجتماعية من أجل التحالف مع القوى العشائرية، كما حصل بما يخص الاتفاقيات الخاصة بالنساء والقوانين التي تتعلق بحقوق المرأة، التي تشن العشائر ولا تزال من أجلها حملات شرسة ضدَ النسويات الفلسطينيات، وصلت أحيانا إلى التهديد بالقتل، ولم نر رد فعل حقيقي من السلطة وأحيانا هنالك جهات في السلطة تتساوق مع هذا الخطاب.
أما بالنسبة للفلسطينيين والفلسطينيات في أراضي 48، ليس لهم قيادة فعلية، فهناك أيضا حراكات شبابية ونسوية تعمل بشكل منفصل عن الأحزاب التقليدية، وعن “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في إسرائيل”، التي تمثل القيادة التقليدية في الداخل والمرتبطة جزئيا بخطاب السلطة الفلسطينية، حيث تتكون اللجنة العليا من رؤساء مجالس محلية وبلدية”، وبالتالي فهي غير منتخبة من الجماهير الفلسطينية.
لقد آنَ للمنخرطين في مشروع أوسلو أن يدركوا أنّ نهج البحث عن رضا الدّول الاستعمارية المتواطئة مع منظومة الأبرتهايد والاستعمار قد أثبت عقمه، وأنّ إنفاذ القانون الدّولي وقرارات الشّرعية الدّولية، حتى بأضعف صورها، يتطلب تغيير موازين القوى بالمقاومة لا بالاستعطاف.
74 عاماً… وتستمر النكبة الفلسطينية
في ظل هذه الأزمة السياسية التنظيمية في المؤسسات الفلسطينية السياسية من منظمة التحرير التي انصهرت في داخل السلطة، وانكماش الفصائل، وأيضا غياب أي عمل تنظيمي حقيقي خارج هذه الأطر وتراجع دور الأحزاب الجماهيري في أراضي 48، آن الأوان أن تتوحد كافة الحراكات السياسية والمطلبية والاجتماعية أو على الأقل أن تنسق فيما بينها، لأخذ زمام المبادرة والتنسيق الفعلي فيما بينها في كافة أراضي فلسطين التاريخية، بما فيها القدس، وحتى لا يتم ترك الشارع وترك المناضلات والمناضلين بدون حماية، وألا يتم استغلال بعضهم من قبل مجموعات ليس لديها مشروع وطني حقيقي، وأيضا أن يتم العمل بتواز ما بين النضال ضد المنظومة الاستعمارية، وضد كافة أشكال الاستغلال الاقتصادي، ومن أجل حماية الحريات الفردية والجماعية، وتقديم مشروع ذي بعد تقدَمي.
بقلم: لانا الصادق
28 مايو 2022
هل سنشهد على ذلك قريبا؟ آمل ذلك.