الطاقة النضالية وترابط ومواصلة النضال في الداخل، غير مسبوقة في حجمها وشعاراتها، خاصة أن الشباب الغاضب قادها ورسم إيقاعها
الطاقة النضالية وترابط ومواصلة النضال في الداخل، غير مسبوقة في حجمها وشعاراتها، خاصة أن الشباب الغاضب قادها ورسم إيقاعها
المستوطنون الذي اعتدوا على أهلنا في مدن الساحل، ينتمون إلى ما يسمى «الأنوية التوراتية» وهي بؤر استيطانية جرى زرعها في قلب الأحياء التي يسكنها الفلسطينيون في يافا واللد والرملة وعكا منذ سنوات، بهدف «المحافظة على الطابع اليهودي» وهم يفعلون ذلك عبر زرع البؤرة ثم السعي لتوسيعها، فيتصدى لهم أهل البلد، وتحدث مشاحنات من حين إلى آخر. كما يقوم المستوطنون على مدار السنة باستفزاز الناس من خلال نشر أعلام إسرائيلية كبيرة الحجم، والاحتفال بمكبرات الصوت بمناسباتهم، وشتم الناس والاعتداء على ممتلكاتهم. وفي إطار هذا المشروع جرى إسكان مئات العائلات اليهودية، التي تنتمي إلى التيار الديني المتطرف سياسيا. وخلال المواجهات الأخيرة استنجد هؤلاء بمئات المستوطنين من الضفة الغربية،
وعلى الرغم من أن الشرطة كانت على علم كامل بحملات التجنيد والدعوة لجلب الأسلحة للاعتداء على العرب، حيث عجـت بها وسائل التواصل الاجتماعي وقام البعض بجمعها وإرسالها لضباط الأمن، فهي لم تفعل شيئا لوقفهم، بل هناك أشرطة تُظهر كيف يلقي المستوطنون الحجارة على البيوت العربية والشرطة حولهم تحميهم.
تصدى الفلسطينيون في مدن الساحل لاعتداءات الشرطة والمستوطنين، وهم لا يملكون سلاحا ولا دعما من أحد، وزادت حدة ردهم بعد جرح واعتقال المئات واستشهاد موسى مالك حسونة دفاعا عن اللد وعن القدس. لقد زرت هذا الأسبوع مع زملائي في لجنة المتابعة العليا لفلسطيني الداخل عائلة الشهيد والتقينا الوالد والوالدة والزوجة، وكان اللقاء مشحونا بعزيمة الإصرار على مواصلة النضال، والدفاع عن القضية التي استشهد موسى من أجلها. الروح الوطنية العالية نفسها، لمسناها حين زرنا عائلة المواطن وابنته، اللذين لقيا حتفيهما بعد سقوط صاروخ بجوار بيتهما، حيث قالوا لنا «نحن نتهم إسرائيل المعتدية بما جرى». لمسنا هذه الأجواء في اللد والرملة ويافا وعكا وحيفا، فشعبنا في مدن الساحل يشعر بالاحتقان والغضب على الدولة والحكومة في إسرائيل، وهو اليوم في الخط الأمامي لكفاح الداخل الفلسطيني.
مواصلة النضال
تتميز الهبة الحالية في الداخل الفلسطيني بأنها شاملة، وتمتد من معليا في الشمال حتى راهط في الجنوب، وشاركت فيها جميع فئات وشرائح المجتمع، وبشكل خاص جيل الشباب. لقد قام المتظاهرون باقتحام الشوارع المركزية، وأغلقوها لساعات طويلة واصطدموا بقوات الأمن والشرطة. وشارك أكثر من 30 ألفا في مظاهرة قطرية، دعت اليها لجنة المتابعة، في مدينة سخنين، والتزمت فئات وشرائح المجتمع كافة بالإضراب العام الثلاثاء الماضي، الذي أعلنته لجنة المتابعة، وانضمت إليه الفصائل والمؤسسات الفلسطينية كافة.
أستطيع أن أجزم بأن الطاقة النضالية العفوية، التي شهدها الداخل، هي غير مسبوقة في حجمها وزخمها وحدتها وتلقائيتها، خاصة أن الشباب الغاضب هو الذي قادها ورسم إيقاعها. هذه العفوية هي ظاهرة صحية وصحيحة، ويجب تشجيعها ودعمها، بدون أي محاولة لحرفها عن مسارها المستقل.
لقد تعلمنا من تجربة الحراكات الشبابية الفلسطينية في العقد الأخير، أن أضعف حلقة فيها هي مسألة الاستمرارية والمواصلة. هي عادة ما تعتمد على الفعل المباشر، وعلى رفض الواقع، وهذا صحيح وصحي، لكنها تبتعد عن أي بنية تنظيمية ورؤية استراتيجية تضمن المضي في الفعل الكفاحي. هنا تبرز الحاجة إلى مراجعة جدية لضمان استمرار الحراكات الشبابية، التي تلعب دورا محوريا في هذه الهبة وغيرها. في المقابل على الأحزاب السياسية في الداخل إيجاد الطرق الكفيلة بتطوير ذاتها وعملها وصياغة برامجها وسياساتها، بما يتجاوب مع المتغيرات. الوحدة في هذه الظروف مطلوبة وضرورية، لكننا نريدها وحدة كفاحية تستند إلى المبادئ، التي اندلعت هذه الهبة على أساسها، والباب مفتوح لمن ابتعد عنها ويريد العودة إلى الصف الوطني، بعد أن يقبل بالموقف الوطني.
من هنا ننطلق مجددا ونواصل الكفاح بوحدة وطنية كفاحية فاعلة، وبحراكات شبابية ناشطة ومتحدية للغبن والاضطهاد، وبالتحام مع بقية أجزاء شعبنا، وبهمة وبعزيمة صاحب الحق، الذي يتمسك بحقه ويناضل لنيله.