المنطقة على صفيح ساخن.. من يقرع طبول الحرب أولاً..؟
عمر معربوني
بدعمٍ مفتوح ولا محدود من دونالد ترامب سيبدأ كيان الاحتلال حربه على لبنان، هذا ما يسوّقُ له معظم قادة الاحتلال سواء كانوا في مواقع رسمية أو حتى خبراء في مراكز الأبحاث والدراسات، لكنهم جميعاً في حالة خلاف على ترتيب الأولويات في لحظة شديدة الحساسية تحيط بالعالم كله، فمنهم من يعتبر خطوة الضّم المؤجلة الى حين الأولوية المطلقة، ومنهم من يعتبر أنها ستؤدي الى أضرار سياسية كبيرة ستلحق بالكيان وستضعه في حالة حرج وهو ما يؤكده جنرال الإحتياط عاموس يادلين وهو ايضاً رئيس “معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي” حيث يعتبر أنّ عملية الضمّ في هذه المرحلة ستُضعف الموقف السياسي للكيان وستكون قضية خاسرة تُفقد “إسرائيل” مستويات التضامن العالية عندما يتعلق الأمر بالعداء لإيران والتركيز على “خطرها” وعلى برنامجها النووي، وكذلك خطر حزب الله وفصائل أخرى مدعومة من ايران وسوريا.
ويقول عاموس يادلين “بعد هكذا ضم، حتى مزاعمنا الأمنية التي قبلها العالم الى الآن لن تبقى مزاعم شرعية، صحيح أننا لم نأت للبلاد كي نقيم دولة في منطقة “تل أبيب” لكن هناك مناطق في البلاد فارغة من السكان كـ النقب والجليل ولسنا ملزمين بالاستيطان في المناطق التي يقيم فيها الفلسطينيون بالذات. وإن كنت راغبا جدا بتعزيز قوة “إسرائيل” فعلينا زيادة الاستيطان في الجليل والنقب”.
لكن هذا الكلام لا يلقى انصاتاً من نتنياهو ومجموعة الحكم في كيان الاحتلال، وتبدو الأمور متجهة نحو مزيد من التمادي، وما وقف تنفيذ خطة الضّم سوى وقف مرحلي يرتبط ببعض التعقيدات المحيطة بالكيان والمنطقة والعالم.
ورغم وجود نقاط خلافية كبيرة بين قادة العدو حول ترتيب الأولويات، تبقى مسألة المواجهة على الجبهة الشمالية (سورية ولبنان) وعلى جبهة غزّة واستهداف القدرات الإيرانية في سوريا، بحسب الإدعاءات الصهيونية، متصدرة جدول الأعمال اليومي لأجهزة الإستخبارات الصهيونية وللإئتلاف الحاكم “الليكود” و”أزرق ابيض”.
حتى اللحظة لا توجد متغيرات كبيرة سواء في النظرة أو السلوك بما يرتبط بالمواجهة حيث لا تزال القيادتان السياسية والعسكرية الصهيونية متبنية لفكرة “المعركة بين الحروب” والتي تتمثل بتوجيه ضربات استباقية انتقائية مستمرة بوتيرة عالية في سوريا وقطاع غزّة ومنخفضة في لبنان لم تتجاوز منذ 2006 سوى احتكاكات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة استطاعت المقاومة خلالها أن تثبّت معادلة ردع أبقت على قواعد الإشتباك في الجبهة اللبنانية كما هي، ولم تغير كثيراً في قواعد الإشتباك على الجبهتين السورية وفي قطاع غزّة.
ففي غزّة تسود حالة اشتباك منضبطة لم تخرج عن قواعد تبادل الإستهداف المعتادة منذ ما بعد مواجهة سنة 2014 التي ثبّتت قدرة المقاومة الفلسطينية على استهداف عمق مناطق الاحتلال بما فيها “تل ابيب” ومنشآت ذات طابع استراتيجي وباتت محصورة الآن في غلاف غزة المباشر.
في سوريا، ومنذ اسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة الـ اف -16 الصهيونية في المجال الجوي لفلسطين المحتلة في 10 شباط 2018، بدأ سلاح الجو الصهيوني يعتمد نمط إطلاق صواريخه من المجال الجوي اللبناني محتمياً بسلسلتي الجبال الشرقية والغربية لتمكين طائراته من الفرار السريع خصوصاً أن الصواريخ التي يطلقها مبرمجة مسبقاً للوصول الى أهدافها وهو بذلك يستخدم الطاقة القصوى لقدراته التنكولوجية في حين تكتفي الدفاعات الجوية السورية بتوجيه صواريخ منظومات محددة للتعامل مع الصواريخ المعادية تصل نسبة اسقاطها الى حدود 70% وهي نسبة متقدمة في حين تتمكن الصواريخ الباقية من الوصول الى أهدافها وهي على الغالب أهداف وهمية وخارج الخدمة وما استهدافها الاّ بأهداف سياسية ترتبط بغايات داخل قيادة الكيان الصهيوني.
التطور الخطير الذي دخل على خط الإشتباك هو تعرض منشأة “نطنز” النووية الإيرانية ومنشآت أخرى لحرائق وانفجارات تدور الشكوك بصددها حول احتمال تنفيذ عمليات تخريب حيث وقعت سلسلة حوادث متتابعة، ففي 26 حزيران – يونيو 2020 دوى انفجار في قاعدة بمنطقة “خجير” غربي قاعدة بارشين شمالي طهران، لنكون في 30 حزيران – يونيو 2020 أمام حصول انفجار آخر في مركز طبي أدّى الى سقوط ضحايا ومن ثم في 2 تموز – يوليو الحالي دوى انفجار في مخزن داخل منشأة نطنز النووية وأدّى الى حدوث خسائر كبيرة في المنشأة.
هذا التطور قد يؤدي الى وضع المنطقة على صفيح ساخن وقد يُخرج الأمور من دائرة السيطرة الحالية التي تناسب الكيان الصهيوني ولكنها لا تناسب محور المقاومة بكل قواه، وهو تنفيذ كيان الاحتلال لنمط المعركة بين الحروب على كل الجبهات.
ويبقى بحسب المصادر الصهيونية أنّ المشكلة الأكبر الآن متمثلة بتنامي قدرات المقاومة اللبنانية في العديد والأسلحة ومستوى الخبرات المتعددة، فالجميع داخل كيان الاحتلال يعتبر أن المقاومة تجاوزت حدود المنظمات لتصل الى مستوى الجيوش النظامية رغم أن هذا التوصيف يرتبط فقط بالقدرات وليس بأنماط القتال والمواجهة، فحتى اللحظة لا تمتلك أجهزة الإستخبارات المعادية أية معلومات دقيقة عن أماكن تواجد المقاتلين ولا أسلحتهم المتوسطة والثقيلة ولا مرابض اطلاق الصواريخ الخفيفة والثقيلة ولا حتى أساليب الإنتقال من الإختفاء الى الإنتشار والتحول من قوّة خفية الى قوّة دفاع وهجوم وهو ما يقلق الجانب الصهيوني كثيراً ممّا يجعله يكتفي بتوجيه تهديدات تتعلق بالبنية التحتية للبنان وباستهداف السكان في القرى والمدن وهو نفس ما فعله كيان العدو خلال مواجهة 2006 ولكنه سيكون في اية مواجهة قادمة اضعاف ما تم تنفيذه لإحداث الصدمة وتعجيل الإنهيار وهي نظرية صهيونية قد لا تجد طريقها الى التحقق بسبب عامل المفاجآت الذي تحتفظ به المقاومة في لبنان.
وفي قراءة سريعة لرد المقاومة سأورد ما جاء علناً على لسان السيد حسن نصرالله وليس ما هو غير معلوم ولا يعلمه بالتأكيد الا قادة المقاومة ولا احد آخر لا خبراء ولا محللين ولا حتى أجهزة استخبارات صديقة ومعادية وهو النمط الذي دأبت المقاومة عليه لبناء قوتها وتناميها وتصاعدها .
ولأن المواجهة في بعدها التقني تحتاج الى العديد من المقالات سأكتفي باستعراض المعادلات المرسومة والمعلنة.
منذ سنوات يهدّد قادة العدو بحرق لبنان من الجنوب الى الشمال وإرجاعه الى العصر الحجري وهو أمر تستطيع القدرات النارية للعدو تنفيذه لكن في حال عدم وجود رد رادع، وبحسب ما هو معلن، وضعت المقاومة على لسان الأمين العام السيد حسن نصرالله معادلات واضحة تبدأ من محطة كهرباء لبنانية مقابل محطة كهرباء صهيونية مروراً بـ”تل ابيب” مقابل الضاحية ومطار بن غوريون مقابل مطار رفيق الحريري الدولي ومفاعل ديمونة مقابل بيروت، ولا ننسى طبعاً معادلة خزانات الأمونيا وغيرها من المنشآت الصهيونية الهامة إضافة الى “تل ابيب” وضاحيتها غوش دان والتي تمثل الثقل السكاني لكيان الاحتلال.
وبإختصار شديد، سيكون كيان الاحتلال أمام معادلة مختصرها الوقوع بين نافذة جحيم غزة وبوابة جحيم المقاومة اللبنانية وسوريا من جنوب فلسطين المحتلة الى شمالها مقابل ما هدد به قادة العدو بحرق لبنان من جنوبه الى شماله.
والسؤال الأخير: “هل يتجرأ قادة العدو في ظل القدرات المتنامية للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية في العديد والتسليح على قرع طبول الحرب؟”،
الجواب: “منطقياً وموضوعياً لا شيء يدفع قادة الكيان الى المغامرة سوى الإقدام على مغامرة يسببها خطأ لا يمكن احتماله ويكون الرد عليه فتح بوابات الجحيم”.
- كاتب وباحث في الشؤون العسكرية وخريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية