مشكلة العالم الكبرى ليست في الأوبئة أو الحروب أو الأزمات الإقتصادية، بل هي مشكلة أخلاق، والغرب بلا أخلاق.
في العالم اليوم نظريتان لمواجهة كورونا على ما يبدو:
النظرية الأولى وهي نظرية الشرق بشكل عام، والتي اتبعتها الصين أولا وتحذو حذوها اليوم دول أخرى (مع فارق الإمكانات طبعا)، وهي تقوم على مبدأ علاج كل المصابين بشكل متساوي وحتى اللحظة الأخيرة، واستنفار كل المقدرات المادية لتوفير أفضل السبل العلاجية (الصين بنت مستشفى ضخما في ١٠ أيام!) ومحاولة خنق الوباء عبر اتباع الحجر الصحي المنزلي وتعطيل البلاد في محاولة للحد من الانتشار. وهذه النظرية لا تقيم وزنا للتكلفة المادية بل تضع سلامة الإنسان نصب عينيها.
النظرية الثانية وهي النظرية الغربية بشكل عام (مع وجود فروقات أيضا)، وهي تبدو واضحة يوما بعد يوم من خلال الأداء الأوروبي والأميركي وتصريحات المسؤولين الغربيين، وهي نظرية مادية بحت. أي أن هذا الدول قامت بدراسة جدوى على ما يبدو، وقارنت بين تكلفة الانقاذ وتكلفة الكورونا، وتبين لها أن تكلفة الكورونا أقل، فهمست في سرها: فليعم الوباء إذا.
رئيس الوزراء البريطاني يخاطب شعبه: ودعوا أحباءكم. بريطانيا ولغاية اليوم (لمن لا يعرف) لم تدع الناس إلى إيقاف أعمالهم والطلاب إلى البقاء في منازلهم، ويجري الحديث عن نظرية “مناعة القطيع”، يعني بالمختصر، فلينتشر الوباء ولينج من مناعته أقوى. فرنسا متلكئة جدا في الإعلان عن الخطوات، وهذا التلكؤ يبدو لي مقصودا. والخطط الصحية فيها -وفق ما يتردد على مسامعنا من أناس مطلعين- قائمة على الترياج: يعني أن يعم الوباء ولننتخب من يستحق أن يحظى بالعلاج حتى اللحظة الأخيرة. يعني وبالمختصر أيضا: كل فرد سيكلف الدولة كثيرا مع إحتمال ضئيل للنجاة لا داع لمواصلة علاجه (يعني كل من يعانون من مشاكل صحية وكل من هم فوق ال٧٠ سنة قد لا يعطون فرصة كاملة للعلاج).
الولايات المتحدة تتقوقع على نفسها، وهي صاحبة الإقتصاد الأقوى في العالم، وتتصرف بأنانية مطلقة، ويعتزم رئيسها توفير ٥٠ مليار دولار للداخل(خمنوا من أين سيأتي بها!) في الوقت التي توفد فيه الصين خبراءها إلى إيطاليا مثلا للمساعدة.
حسنا، هذا الستاتوس ليس قصيدة مديح نظمتها في أخلاق جمهورية الصين الشعبية، ولكنه دعوة للجميع -خاصة المثقفين المأخوذين بالحضارة الغربية والبارعين في جلد الذات- إلى النظر في ما يجري مليا:
نعم، الإنسان في الغرب (حيث النعيم وحقوق الإنسان والثراء والرفاهية والاحترام و و و و …) لا يعدو كونه في وقت الأزمات الحقيقية مجرد رقم. هكذا وبكل بساطة وبدون أدنى حس إنساني، تتعاطى هذه الدول مع مواطنيها وتعتزم أن تحدد لهم من يستحق أن يعيش ومن يستحق أن يموت بناء على دراسة جدوى.
إن مشكلة العالم الكبرى اليوم ليست في الأوبئة أو الحروب أو الأزمات الإقتصادية، بل هي قبل كل ذلك مشكلة أخلاق، والغرب بلا أخلاق.