“الاحتلال المدني”: كيف يستخدم الأميركيون منظمات المجتمع المدني لتغيير الأنظمة؟
هناك في مصر عشرات الاَلاف من الطلاب والخريجين والعاطلين عن العمل الذين تحولوا فجاة إلى مدونين وناشطين، وحتى نكون منصفين، فنحن هنا بصدد فئة منهم وليس جميعهم ممن لهم صلة بـفريدوم هاوس ويتلقون تدريبات وتمويلات من هذه المنظمة المشبوهة.
كتب كثيرة كتبت في العالم والوطن العربي منذ عام 2011 حول “ثورات الربيع العربي”، إلا أن كتاب “الاحتلال المدني – أسرار 25 يناير والمارينز الأميركي” للعميد المتقاعد المصري عمرو عمار، يشكل مقدمة تمهيدية مهمة لمعرفة كيفية إدارة الولايات المتحدة لهذه الثورات حيث يرسم المؤلف خريطة مفصلة عن كل المؤسسات والجمعيات والشخصيات التي لها علاقة بهذه “الثورات” إبتداءً من جين شارب وروبرت هليفي ومؤسسات “فريدوم هاوس” و”نيد” ((NED و”كانفاس” و”أنشتاين” التي يترأسها جين شارب وغيره.
يبدأ العميد عامر كتابه بقوله: “ربما لو نظرت أعين الحقيقة من الطابق الأول من عقار يطل على ميدان التحرير في القاهرة في الفترة من 25 كانون الثاني/يناير وحتى 11 شباط/ فبراير 2011 يوم تنحي الرئيس (حسني) مبارك عن الحكم، فإنه سيرى شعباً انتفض رافعاً شعار: “عيش، حرية، عدالة اجتماعية” للخلاص من حكم دام ثلاثين عاماً”.
إلا أن عامر يلفت نظر القارئ إلى أنه “حينما توسع العين مساحة الرؤية بالنظر من أعلى طابق من نفس العقار المطل على ميدان التحرير، فإن المشهد سيختلف تماماً لترى هذه الأعين مخططاً لتقسيم مصر”.
ويرى الكاتب بأننا “لا يمكن أن نتفهم أحداث 25 كانون الثاني/يناير في مصر بعديداً عن قراءة المشهد بالكامل، في تونس وليبيا واليمن وسوريا، فما حدث في جميع هذه البلدان بنفس المنهجية والتكتيكات”.
ويضيف الكاتب أنه على الرغم من أن تونس أول بلد قص شريط ثورات “الربيع العربي”، وكانت النموذج الملهم ونقطة الإنطلاقة لباقي الشعوب العربية، فتونس تم اختيارها لتكون الحجر الأول في سلسلة من قطع الدومينو في استراتيجية، وذلك بحسب الكاتب الأميركي ويليام انجدال مؤلف كتاب “الهيمنة الكاملة – الديمقراطية الاستبدادية في النظام العالمي الجديد” والمحاضر في جامعة بريستون الذي كتب لأكثر من ثلاثين عاماً عن خطط واشنطن الجيوسياسية السرية، حول الأوضاع في تونس بعد 12 شهراً من رحيل الرئيس زين العابدين بن علي وإن كان التونسيون سعداء بالثورة التونسية والإقتصاد في حالة كارثية بعد عام من الثورة.
يقول انجدال: “زعزعة الاستقرار في المنطقة والمخطط بعناية فائقة تلك الاستراتيجية التي كانت في الأصل منذ أكثر من عشر سنوات في البنتاغون بواسطة الإدارة الأميركية في واشنطن لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وليس المقصود بها هو تحقيق الاستقرار أو جلب الديمقراطية في أي من هذه البلدان”.
ويضيف: “أما في ليبيا فالحروب القبلية لا تزال مستمرة ورفعت كلفة الثورة على الشعب الليبي بتكاليف باهظة لفاتورة سداد حتمية على حساب الاقتصاد الليبي نتيجة تدخل قوات الناتو بطائراتها وجنودها مصحوبة في الخفاء بضباط الجيش الإسرائيلي، على حد وصف جريدة الغارديان البريطانية التي ذكرت أن الطيارين الذين نفذوا الضربات الجوية علي ليبيا كان معظمهم من سلاح الجو الصهيوني، تلك القوات التي كانت لها اليد العليا في فرض الكلمة الأخيرة على النظام الحاكم هناك بمساعدة عناصر تنظيم القاعدة التي تمركزت في أراض ليبية وخصوصاً بعد ان قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بتصدير من كانت تأويهم لسنوات عديدة من عناصر التنظيم وكانت ترفض دوماً طلب معمر القذافي بتسليمه إياهم”.
ولا يوجد أبلغ من شهادة ويستر تاريلي المؤرخ والصحافي الأميركي حين استشهد بالتحقيق الذي قدمته صحيفة الدايلي تليغراف مع قائد ثورة مدينة درنة الواقعة في المنتصف بين بنغازي وطبرق معقل وجود الثوار حيث قال هو من “الجماعة الإسلامية المقاتلة” والتي انضمت الي تنظيم القاعدة وتعتبر المدينة الأولى لتصدير الارهابيين في العالم، ويُعرفها الأميركيون بعاصمة الإرهاب. وبالتالي ليس من الحكمة أن يمسكوا بزمام الأمور حتى في مدينة البريقة أو في كل ليبيا طبعاً وسيتم تسليحهم من الولايات المتحدة الأميركية التي لا تستطيع إرسال جنودها الى الأراضي الليبية نظراً لوجودها في أماكن عدة حول العالم وبالتالي هم يستخدمون القاعدة التي اصبحت القوات البرية للمشروع الأميركي الإمبريالي.
ويرى تاريلي أن ما حدث ليس بثورات بل هي عمليات زعزعة إستقرار، تديرها وزارة الخارجية الأميركية ووكالات الاستخبارات الأميركية “سي اًي إي” والفرنسيون وجهاز إم 16 البريطاني.
يتوقف المؤلف عند الدور العظيم والبارع الذي لعبته وزيرة الدولة للعلاقات الخارجية المصرية السابقة فايزة أبو النجا في إدارة الملف الذي عُرف إعلامياً بقضية التمويلات الخارجية لمنظمات حقوقية أميركية.
ويضيف المؤلف: “أدركت أبو النجا مع جنرالات الجيش المصري أنه في علم إدارة الأزمات والتفاوض تقوم الدولة بالتصعيد ضد الدولة الأخرى بما يتواءم مع إمكانيات هذه الدولة، وعند نقطة معينة تبدأ في التفاوض.
أدركت القيادة المصرية حدود قوتها، متى وكيف تُنهي هذه الأزمة بالسماح للمحتجزين بمغادرة البلاد بكفالة مالية، وجلب المستهدف من إثارة الأزمة، بما يخدم المصالح المصرية في هذه المرحلة – رغم عدم رضا الشارع المصري في لما اَلت إليه هذه القضية – فتمت محاكمة 43 متهماً من الجنسيات الأميركية والألمانية والصربية والنرويجية والفلسطينية والأردنية بينهم 19 متهماُ أميركياً، و14 مصرياً، في قضية “التمويل الأجنبي” التي بلغت قيمتها قيمتها 60 مليون دولار عن طريق 68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية، من قبل محكمة جنايات القاهرة عام 2013 والتي قضت بإغلاق جميع مقار وأفرع “المعهد الجمهوري الحر” و”الديمقراطي الأميركي” و”فريدوم هاوس” و”كزنراد إديناور” الألمانية، على مستوى محافظات مصر، ومصادرة أموالهم.
ولأخذ العبرة يطالب المؤلف “بوجوب التوقف كثيراً أمام ما قالته المحكمة في حيثيات حكمها برئاسة المستشار مكرم عواد – والذي نشرته صحيفة “الوطن” يوم 5 حزيران/ يونيو 2013 – حيث تستشعر من قراءته أنك لست بصدد قاضٍ جليل، بل أمام رجل مخابرات من طراز فريد يدرك ويعي طبيعة المخططات التي تحاك لمصر، وقارئ جيد للمشهد العام برمته، ويبدو من حيثيات حكمه أنه يقدم تعريفاً دقيقاً لحروب “الجيل الرابع” التي تنتهجها أميركا في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.
إن هذه المنظمات وعلى رأسها “فريدوم هاوس” هي المارينز الأميركي الذي يشكل النواة الصلبة لضخ العناصر التي تحقق ماَرب المشروع الأميركي. يقول المؤلف عمار بأن أغلبيتهم من الشباب حديثي السن عديمي الخبرة، وعادة ما يكونون من محدودي الدخل ممن لم يحظوا بقدر كافٍ من التعليم العالي والذين يتم انتقاؤهم بعناية فائقة.
ويستند المؤلف إلى ما قاله بيتر اَكرمان الرئيس السابق لفريدوم هاوس، عندما سألته الصحافة عن شخصية هؤلاء أو جنسيتهم، فأجاب: لا أستطيع أن أصرح من هم، ولكن فكروا في أكبر عشرين متسكعاً في العالم ويمكنكم أن تخمنوا.
يستأنف الكاتب قوله: الإجابة عن هذا السؤال تجدها لدى سعد الدين إبراهيم، الصديق المصري لجين شارب ولتلميذه النجيب بيتر اَكرمان الذي يمكنك أن تضعه في خانة “ناظر مدرسة شارب واَكرمان” في القاهرة، تحت عنوان “مدير مركز إبن خلدون” ومقاول تصدير نشطاء مصر إلى الخارج بمساعدة شريف منصور مسؤول “فريدوم هاوس” في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فشريف منصور تلقفه سعد الدين إبراهيم بعد خروجه من السجن بتهمة إنكار السنة النبوية. فالتحق بمركز إبن خلدون وبدأ ينشر أفكار وكتبه. وفي عام 2002 هاجر إلى الولايات المتحدة وأخذ حق اللجوء السياسي في أعقاب غلق مركز إبن خلدون.
يقول الكاتب أنه حين سأل سعد الدين ابراهيم خلال مقابلة مسجلة عن رأيه فيما قاله َاَكرمان عن مقاييس اختياره لهؤلاء النشطاء، بدا متشككاً فيما نُسب لاَكرمان، موضحاَ انه صديق شحصي لشارب واَكرمان ويتبادل معهم الزيارات سواء في أميركا او القاهرة، ثم انطلق مبرراً لي ما قاله صديقه العزيز، “بأن هؤلاء الشباب وجميعهم تلقوا تدريبات داخل مركز إبن خلدون منذ تسعينات القرن الماضي، وقد تبنوا أفكار ومنهجية المركز على حد قوله، لديهم مظالم كثيرة من النظام السابق، فهؤلاء يسهل تجنيدهم داخل الحركات الإصلاحية التي صنعت الثورات العربية”.
ويطالب الكاتب بوجوب الوقوق كثيراً عند لفظ “تجنيدهم” مع خلفية شهرة سعد الدين ابراهيم في دقة اختياره لكلمات. ففعل التجنيد يرتبط بأطراف خارجية ضد إسقاط أنظمة حكم داخلية، فهو يعني الكثير. فهو يأخذنا إلى أبعد من مجرد هدف إسقاط الأنظمة كهدف استراتيجي ينفذ تكتيكات اَكرمان لنشر الديمقراطية كما صُور لهؤلاء المجندين على حد وصف سعد الدين ابراهيم. فالديمقراطية لم تكن سوى مجرد تكتيكات لزعزعة الإستقرار في البلدان المنوط بها التغيير، والإستراتيجية هي التفكيك والتقسيم لهذه البلدان إلى دويلات أو كانتونات لصالح مشروع الشرق الأوسط.
وهنا يرى المؤلف عمار من خلال حديث سعد الدين ابراهيم أنه ولزاماً علينا البحث في نيات منظمة (فريدوم هاوس)، أساليب تمويلها ودعمها وهيكلها التنظيمي. وهل هي بالفعل منظمة منوط بها نشر الديمقراطية أم أنها تخترق دولاً بعينها، تحت غطاء أهداف نبيلة؟”.
إن “فريدوم هاوس” قد موّلت ودعمت انتصار حركة التضامن البولندية في ثمانيات القرن الماضي وموّلت المناهضين في صربيا وأوكرانيا وقرقيزيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عبر “المعهد الجمهوري الحر” و”الديمقراطي الأميركي” التابعين للحزبين الجمهوري والديمقراطي.
وحول هؤلاء “المتسكعين” الذي تحدث عنهم اَكرمان، و”المجندين” على حد تعبير سعد الدين ابراهيم، يقول المؤلف: “هناك في مصر عشرات الاَلاف من الطلاب والخريجين والعاطلين عن العمل الذين تحولوا فجاة إلى مدونين وناشطين، وحتى نكون منصفين، فنحن هنا بصدد فئة منهم وليس جميعهم ممن لهم صلة بـفريدوم هاوس ويتلقون تدريبات وتمويلات من هذه المنظمة المشبوهة”.
ويكشف العميد عمار أن “فريدوم هاوس” عملت بقوة في فترة ما في مصر واستقطبت مجموعة من النشطاء المصريين ضمن برنامج جيل جديد واسمه “جيل جديد من النشطاء لا يعادي أميركا وإسرائيل”.
وحسب قول الكاتب فإن أحد أعضاء البرنامج هو جاريد جوهين مؤسس منظمة “موفمينتس دوت كوم” التي قانت بتدريب نشطاء المارينز المصري داخل الولايات المتحدة عام 2008.
وعلى الرغم أن المؤلف يرى أن “هؤلاء النشطاء نجحوا بالفعل في إثارة تظاهرات ضخمة في مصر باسم المطالب الإجتماعية في أحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وتحولوا إلى أبطال وطنيين وظهروا كزعماء على شاشات العالم أجمع. لكنهم أي النشطاء والمدونون بصورة أو بأخرى سواء كانوا على علم أم مغيبي العقول، ليسوا سوى جنود الصهيونية والسي اَي إي الجدد. وقد تم تقليدهم جوائز عالمية بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في مختلف المحاقل الدولية من أميركا إلى تركيا وبروكسيل.
ويروي الكاتب نقلاً عن الإعلامي المعارض وائل الأبراشي قوله: “استوقفني خبر نشرته صحيفة “الشروق” بأن حركة كفاية جمدت عضوية جورج اسحاق منسقها السابق وأحالته للتحقيق بتهمة استجداء أميركا. قال حمدي قنديل المنسق الجديد لحركة “كفاية” أن بيانهم التاسيسي يحمل شعار لا للإمبريالية الأميركية”. ويضيف الأبراشي: الخبر استوقفني لأن المعلومات التي بحوزتي أن “كفاية” في نشاتها خرجت من رحم حركة “كمارا” في جورجيا عام 2003″.
ويرى المؤلف أن “كمارا” تعني بلغة جورجيا “كفاية”. ولا يمكن أن تكون هناك مصادفة بين الإسمين.
ويكشف الكاتب أن المليونير اليهودي الأميركي جورج سوروس وبعض المنظمات الاميركية مثل “فريدوم هاوس” وهيئة الوقف الوطني الأميركي “NED” يتولون الإنفاق على هذه الجمعيات.
وقد كشفت “NED” على موقعها الرسمي أن حجم تمويلاتها من 2006 وحتى 2010 قد بلغ اكثر 7 مليون دولار وهي تمويلات قانونية ويتلقاها الممولون عبر قنوات شرعية تخضع لرقابة وزارة التضامن الإجتماعي ومنها تمويلات مباشرة لا تخضع للجهات الرقابية في مصر منذ 2008.