يا أبونضال: نراك تطل مع قمتي عيبال وجرزيم
رشاد أبوشاور
بسّام الشكعة، أيها القائد الوطني القومي العربي الكبير: أراك تطّل علينا بوجهك الباسم المضئ طالعا بين قمتي عيبال وجرزيم، ونابلس تحف بك راضية مرضية عن ابنها المفخرة، ابن فلسطين الذي أعطى لفلسطين كل شئ.. وهل أغلى من الدم؟ وأنت نزفت دمك في ثراها، وزرعت ساقيك في ترابها الطهور، فاستشهد نصفك، ومنحك الله الحياة لتكمل رسالتك التي آمنت بها، وقبضت على جمرها، وبقيت على العهد معها: فلسطين واحدة كاملة، ولا تنازل، ولا مساومة مع هذا العدو الصهيوني المجرم الآثم.
تقدمت مع إخوتك الشرفاء، وشكّلتم لجنة التوجيه الوطني، فملأتم الفراغ، ورسمتم ملامح الطريق، وتصديتم للاحتلال، ورددتم على مخططاته التي عملت على إيجاد قيادات ساقطة تابعة خانعة تنفّذ أوامر الاحتلال…
منحك أهلنا في نابلس، وأنت على رأس قائمة مشهود لك ولأعضائها بالوطنية، والصدق، وحمل راية فلسطين..موقع رئيس بلدية نابلس، ثقة وتكريما، وانحيازا للوطنية التي مثّلتها، وحفظتها، وصنتها..فكنت امتدادا صلبا لمن سبقوا في مسيرة كفاح شعبنا العربي الفلسطيني، منذ الشيخ القسام، ومرورا بعبد القادر الحسيني..وقوافل الشهداء الأبطال، وإلى أن تتحرر فلسطين، وتعود عربية كاملة..جسرا يصل مشرق وطننا العربي الكبير بمغربنا العربي..ففلسطين التي رفعت رايتها عالية، وآمنت بجغرافيتها الواحدة وتاريخها العريق هي جسر الوحدة العربية، وبدونها حرّة كاملة لا وحدة ولا نهوض لأمتنا من تمزقها وتخلفها وفرقتها.
في دمشق، عندما زرتها، يا أبونضال، بعد جريمة الاغتيال التي استهدفت حياتك مع زميليك: كريم خلف الذي خسر قدمه، وإبراهيم الطويل الذي نجّاه الله، قلت، وكررت على مسامع الحشود التي تدفقت للسلام عليك: أراد لي الصهاينة أن أموت، ولكن الله منحني الحياة كي أكمل رسالتي في الدفاع عن فلسطين عربيّة حرّة..كل فلسطين.
بعد عمر مديد سخّرته لفلسطين، ولإيمانك بالوحدة العربية، أنت المؤمن بأن فلسطين هي قضية الأمة العربية الأُولى بامتياز،والتي ستبقى هكذا إلى أن تتحرّر، مضيت راضيا مرضيا، بنفس ابتسامتك المضيئة التي ملأت قلوبنا بالفخر ونحن نلتقيك في دمشق العروبة، فلسطينيين وسوريين وعربا من أقطار قريبة وبعيدة، كلهم تدفقوا ليقبسوا من جمر إيمانك، أنت العربي النابلسي، ابن جبل النار، نابلس التاريخ والعراقة..والمقاومة التي لم تخمد يوما، ولا توانت عن مقاتلة المُحتلين يوما.
مضيت يا أبونضال، واستعدت ساقيك الشهيدتين، فاكتمل جسدك..شامخا، مرفوع الرأس بين يدي الله، شفاعتك وكتابك بيمينك حُب فلسطين، والتضحية لتحريرها، وطهارة يديك، وكبرياء مسيرة حياتك، فأنت أعطيت وأعطيت وأعطيت على امتداد عمرك، وكوفئت من شعبك وأمتك بهذا المجد الذي كلل هامتك، وجعل من سيرتك مثالاً يُقتدى، وميراثا يبقى للأجيال الفلسطينية والعربية تستلهمه في كفاحها لتحرير فلسطين ، وبناء مجد أمة آمنت بجدارتها دائما.
رفضت ما سمي بالسلام مع المُحتلين الصهاينة، وحذّرت ونبّهت، وبم يخفت صوتك، ووصلنا باستمرار من قمتي جرزيم وعيبال، وها هي الوقائع على أرض فلسطين تفضح السلام الكاذب المراوغ المُضلّل: تهويد القدس، السطو على الأراضي، نهب الماء، قطع الشجار، زّج الألوف في السجون..حتى الأطفال يُسجنون ويطاردون..ونساء فلسطين يقتلن برصاص جنود المُحتلين في الشوارع وأمام الكاميرات، وها هو زحف شركاء سلام الخداع يندفع ليلتهم الأغوار وشمالي البحر الميّت!
أترون ما حققه سلام أوسلو لشعب فلسطين، ولفلسطين التي كانت، وستبقى ، تنتظر التحرير بالمقاومة الفلسطينية والعربية؟!
أترون صحّة وأصالة الخطاب الوطني الذي بقي أبونضال يكرره على مسامع شعب فلسطين، ومن يتصدون لقيادته، وكل عربي شريف مخلص، محذرا من خداع وكذب وأطماع الصهاينة الغُزاة المدعومين أمريكيا بالسلاح والمال والسياسة..داعيا للمقاومة، والوحدة الوطنية سلاحنا الأمضى في معركتنا مع هذا العدو الذي خبر شعبنا جرائمه وخبث مخططاته وأطماعه منذ بدأ تسلله إلى وطننا في ظل الانتداب البريطاني…
أنت أبقيت دروسا لمن سيواصلون السير على الطريق الذي اخترته، وأضفت له بكفاحك علامات مُشرّفة راسخة، ونحن نعدك أننا سنواصل على طريقك…
المجد لذكرى القائد الوطني الفلسطيني العربي الكبير بسّام الشكعة.
المجد لشهداء شعبنا
الحُريّة للأسرى الأبطال
عاشت فلسطين حرّة عربية
* كاتب فلسطيني
* رحل القائد الوطني الفلسطيني الكبير بسّام الشكعة بتاريخ 22/7/2019.