أفكار في قلب عاصفة الغضب في لبنان
غالب قنديل
تدفق الناس إلى الشوارع وفاضوا بقهرهم وغصوا بمعاناتهم بعد هطل من الخطب ووعود البحث عن الحلول لأزمة اقتصادية خانقة تعمد مصرف لبنان خنق مؤشراتها ليفرض تدابير واجراءات غير عادية تشي بحقيقة العجز التام عن تلمس المخارج المجدية وتوضع تلقائيا في خانة التصرف غير العادي وغير المألوف وقد أثارت هلعا كبيرا بتفاعلاتها.
انتفاضة غضب عكست مدى قصور منهجية إدارة الأزمة المحكومة باملاءات الأميركية الغربية المكرسة لخنق الناس ودرجة التمادي السياسي في التنكر لمظاهر معاناة صعبة تستغرق حياة اللبنانيين التي تزداد صعوبة ومشقة وقد شكلت التجمعات والتظاهرات ميدانا لاستثمار سياسي وإعلامي متعدد الأوجه والمصادر وذهب بعضه في وجهة التحريض ضد المقاومة وضد الرئيس العماد ميشال عون بما يذكر بتحذيرات السفير الروسي زاسبكين عن معلومات لديه حول تخطيط اميركي لإثارة اضطراب لبنان يجري استغلاله في الضغوط الأميركية ولاحت شبهة محاولات تماثل ما جرى لإسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي من خلال شعار سياسي جاهر به حزب القوات اللبنانية واطراف اخرى دعت لما يسمى حكومة تكنوقراط.
تجري محاولة خطيرة لتجيير غضب الناس في طاحونة خيارات تستهدف الموقف الوطني للحكم الذي أثار انزعاجا اميركيا غداة العدوان الأخير على الضاحية وتقديم تغطية سياسية معلنة لحق المقاومة والجيش في الرد ولكن ما يجب ان يكون واضحا هو ضرورة التعامل مع جوهر الأزمة الاقتصادية التي هي تعبير عن ترنح نموذج اقتصادي سياسي قام منذ العام 1992 على التبعية للغرب والمديونية المفرطة وتقاسم الريع داخل السلطة السياسية وأي محاولة لترتيب الأولويات بحثا عن مخارج جدية لابد ان تلحظ ما يلي:
اولا إن قيود الهيمنة والوصاية الأميركية المجسدة بالعقوبات المالية وبتقطيع علاقات لبنان مع سورية والعراق وإيران وحظر أي شراكات مجدية مع هذه البلدان الشقيقة بقرار أميركي هي اخطر مصادر الشح المالي والانكماش الذي يعاني منه الاقتصاد اللبناني وتنطلق الحلول الجدية من إسقاط هذا القيد قبل أي شيء آخر فالشراكات تؤمن بذاتها أسواقا للإنتاج اللبناني وتسهل حلولا سريعة لكثير من المشاكل الخانقة كالكهرباء وسكك الحديد والقطاع النفطي.
ثانيا معالجة مشكلة تضخم الدين العام تستدعي تدابير حاسمة لفرض إعادة هيكلة الدين العام وإلزام القطاع المصرفي بقبول النتائج بعدما راكمه من الأرباح الضخمة بينما البلد يغرق ويستنزف بجميع قطاعاته ولابد من خفض قيمة الديون المتراكمة الأصلية بالنظر إلى الفوائد القياسية التي جنتها المصارف طيلة العقود الماضية وهذا يتطلب قرارا سياسيا عاجلا وهو الطريق الذي يفضي إلى إعادة هيكلية المالية العامة ومعالجة العجز المالي المتضخم ولا مجال لقبول الصراخ عن النظام الحر لمنع مثل هذه التدابير فالمصرف المركزي ذهب بنفسه إلى اجراءات وتدابير أقرب الى الاقتصاد الموجه في معالجة ملف الاستيراد الخاص بالمواد الضرورية مما يحتم دراسة بدائل اخرى تسترد هذا الملف إلى المؤسسات العامة .
ثالثا خطة عاجلة لتنمية القطاعات المنتجة أي الصناعة والزراعة والسياحة وحمايتها وزيادة عائداتها وتسهيل صادراتها لمعالجة الخلل في ميزان المدفوعات وهذه الخطة ينبغي وضعها في سلة قوانين وتدابير استثنائية ومباشرة تطبيقها فورا.
رابعا وضع خطة طواريء إدارية ومالية شاملة لإعادة هيكلة المؤسسات العامة وتصفية جميع أشكال الخصخصة لاسترداد العائدات المهدورة في خزائن الشركات المحظية التي تقاسمت المرافق العامة.