أطفال القدس: صناع مستقبل فلسطين
مجدولين درويش
استدعت سلطات الاحتلال الاثنين الماضي، محمد ربيع عليان (اربع سنوات ونصف) للتحقيق معه، بحجة إلقاء الحجارة على مركبة عسكرية خلال اقتحام للبلدة، وفي اليوم التالي استدعت طفلاً آخر هو قيس فراس عبيد (ستة أعوام) للتحقيق معه بنفس الحجة. الأمر ليس مفاجئاً ولو أنه أثار ضجة على صفحات التواصل الاجتماعي. إذ إن أطفال فلسطين ومنذ بدايات الاحتلال، لا يزالون يواجهون آلة القمع الوحشية من قبل السلطات الإسرائيلية، في الوقت الذي تتواني فيه منظمات حقوق الإنسان وعلى الأخص منظمة حقوق الطفل “اليونيسف” عن حماية الطفل الفلسطيني من الانتهاكات التي يتعرض لها يومياً.
لقد شكلت عمليات استهداف الأطفال الفلسطينيين سياسة ثابتة اتبعتها القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية. وبحسب إحصائية صادرة عن الوكالة العالمية للدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين، فقد بلغ عدد الأطفال الشهداء منذ انتفاضة الأقصى في العام 2000، وحتى شهر آذار الماضي 2094 طفلاً منهم 546 طفلاً في العام 2014، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة.
وبحسب الإحصائية نفسها، بلغ عدد الأطفال الأسرى في الفترة عينها أكثر من عشرة آلاف طفل، بمعدل 700 طفل سنوياً. ويتعرض هؤلاء الأطفال لما يتعرض له الكبار من أعمال العنف والتعذيب، ويتم التعامل معهم كـ”مشروع مخربين”، فيتعرضون لجميع صنوف التعذيب كالضرب والتجويع والحرمان من النوم وصولاً إلى التحرش الجنسي، ويجبرون على التوقيع على اعترافات غالباً ما تكتب بالعبرية، فيوقع الطفل اعترافاً غير معلوم ماهيته من جهته.وأصدرت محاكم الاحتلال، خلال الثلاث سنوات الماضية، أحكاماً بحق نحو عشرين طفلاً غالبيتهم من القدس، ومن بين هؤلاء أحمد مناصرة، الذي حكم عليه بالسجن اثنا عشر عاماً، وخفض الحكم في ما بعد إلى تسع سنوات ونصف السنة. يضاف إلى هذا الأعداد الهائلة للجرحى حيث رصدت الإحصائية إصابة 4072 طفلاً خلال مسيرات العودة عام 2018 وحده. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك أيضاً عشرات الأطفال المقدسيين المحكومين بما يعرف بـ”الحجز المنزلي”، وهو حكم يطال صغار السن، حيث يمنعون من التحرك خارج حدود المنزل، حتى ولو كان المدرسة، وهذا إجراء وحشي وتعسفي له آثار سيئة جداً على مستقبل الأطفال المحرومين من التعليم، إضافة إلى الآثار النفسية والاجتماعية حيث يتحول الأهل إلى سجانيأولادهم.
معاناة أطفال فلسطين عامة، والمقدسيين بخاصة، يهدف إلى تفريغ المدينة من سكانها الأصليين، وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، ويجري كل هذا في ظل صمت عالمي، وتواطؤ عربي، وغياب شبه كلي لمنظمات حقوق الإنسان – ما عدا بعض البيانات الخجولة هنا وهناك – فهل نتجح إسرائيل في ذلك؟
لنعد قليلا إلى الوراء، فقد كان لأطفال فلسطين، وبخاصة المقدسيين، دور بارز في التصدي للاحتلال، برغم كل ما عانوه من ظلم واضطهاد وسلب للحقوق، برزت تسمية “أطفال الحجارة” خلال الانتفاضة الأولى العام 2000، ولا تزال تحفر في الذاكرة صور الأطفال يتصدون بالحجارة للآليات العسكرية الصهيونية. قائمة طويلة لأطفال أبطال، ليس أولهم محمد الدرة الذي أعدم أمام الكاميرات العام 2000، ولا فارس عودة الذي تصدى لدبابة إسرائيلية، ولا الطفلة إيمان حجو، ولا هدى غالية التي شهدت إعدام سبعة من أفرد عائلتها أمام عينيها على شاطئ غزة، ولا محمد ابو خضير الذي عذب وأحرق حياً في العام 2014، ولا أحمد وحسن مناصرة، ولا عهد التميمي….القائمة تطول، والثابت في هذا المشهد هو أن أطفال فلسطين لن ينسوا ولن يتهاونوا في الدفاع عن حقهم وكرامتهم. إن أمة تنجب هكذا أطفال لن تخسر قضيتها أبداً، رغم الصفقات وترهات وعود الازدهار الاقتصادي، وغدر العرب بهم بالتضييق عليهم لإجبارهم على التنازل عن حقهم في أرضهم، وبناء دولتهم، والعيش بكرامة.