هل إرسال أمريكا لحامِلات الطائرات والقاذِفات العِملاقة “ب 52” هو مُؤشّرعلى اقتراب الحرب ضد إيران؟ ولا نستبعِدفبركةمن”المُوساد”لإشعال فتيلها لتكرارالسيناريو العراقيّ؟ وكيف سيكون الرّد الإيراني؟
عبد الباري عطوان
ما زال من غير المعروف ما هِي المعلومات التي قدّمتها حُكومة بنيامين نِتنياهو إلى الإدارة الأمريكيّة حول تهديد إيراني وشيك لمصالحها وقوّاتها في العِراق، ودفعتها إلى إرسال حاملة طائرات (أبراهام لينكولن) ومجموعة من السّفن المُحمّلة بالصّواريخ، وطائرات “بي 52” القاذفة العِملاقة إلى منطقة الخليج، ولكن كُل الدلائل تُشير إلى أن هذه الإدارة تتبنّى هذه المعلومات بغض النّظر عن صُدقيّتها وتتّجه نحو الحرب.
هُناك عدّة تكهُنات في هذا المِضمار تُفيد بأنّ جهاز “الموساد” الإسرائيلي قدّم تقريرًا لإدارة ترامب يُؤكّد أن الحرس الثوريّ الإيرانيّ والأذرع العسكريّة المُوالية له في العِراق (الحشد الشعبي) يستعد لتنفيذ هجَمات ضد القوّات الأمريكيّة، التي تتواجد في أكثَر من ثلاثين قاعدة على الأرض العراقيّة، سواء في الأنبار أو في كردستان، وهذا ما يُفسّر الزيارة المُفاجئة التي قام بها مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ إلى العِراق أمس واستغرقت أربع ساعات التَقى خلالها الرئيس العراقيّ برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
الوزير بومبيو قال إنّه “انتزع” تعهّدًا من الرجلين (صالح وعبد المهدي) بتوفير الحماية المُناسبة لمصالح الولايات المتحدة في بلدهما (القوّات الأمريكيّة)، ولكن لم يُصدر أيّ بيان أو تصريح من المسؤولين العِراقيين يُؤكّد وجود هذا التعهّد، أو يتضمّن أيّ إشارة لزيارة بومبيو هذه، وأسبابها الحقيقيّة.
***
لا نعرف مدى دقّة هذه المعلومات الاستخباريّة الإسرائيليّة، مثلما لا نعرف كيف أخذتها الإدارة الأمريكيّة على محمل الجد وبدأت في تحشيد قوّاتها استعدادًا للحرب، ولكن ما نعرفه أنّ هذه الإدارة التي ظل رئيسها ترامب يُحذّر من “الاخبار الكاذبة” طِوال الأعوام الثّلاثة الماضية من حُكمه يُريد تصديقها، لأنّه صديقه نِتنياهو يقف خلفها، بل لا نُبالغ إذا قُلنا أنّ ترامب قد أوعز بها، خلفها، لأنّه ببساطةٍ يُريد حربًا مع إيران بعد فشل حِصاره في منع الصّادرات النفطيّة الإيرانيّة، وترهيب السّلطات الإيرانيّة وإجبارها على التّفاوض حول تعديل الاتّفاق النوويّ، مُكرهةً، ورفع راية الاستِسلام بالتّالي.
الرئيس ترامب بات أسيرًا لجون بولتون، مُستشاره للأمن القومي، والذي يُعتبر من أكثر المُتشدّدين الدّاعين لحربٍ مع إيران، ويملُك تاريخًا عريقًا في الكذب، والمُبالغة في تضخيم المعلومات الاستخباريّة التي تدعم توجّهاته هذه لتبرير استخدام القُوّة ضد طِهران سواء بشكلٍ مُباشر أو من خلال إسرائيل، وهو الذي قال عام 2015 إن الطّريقة الأفضل لمُواجهة التّهديد النوويّ الإيرانيّ توجيه ضربة إسرائيليّة مدعومة أمريكيًّا لتغيير النّظام في طِهران، ربّما يُفيد التّذكير بأنّ بولتون الذي كان ضيف الشّرف في حفل مُجاهدي خلق في باريس قبل عام ونصف العام، تعهّد بأن يكون الاحتفال المُقبل بُعَيد انطِلاقة هذه الحركة الإيرانيّة المُعارضة في العاصمة الإيرانيّة، ولكنّه لم يستطع تنفيذ هذا الوَعد.
الرئيس حسن روحاني أعلن اليوم الأربعاء أنّ إيران ستُعلّق بعض تعهُداتها في الاتُفاق النووي، وأعطى الدول الأوروبيّة مدّة شهرين للعمل على تخفيف العُقوبات المفروضة على بلاده خاصّةً في قِطاعيّ النّفط والمصارف، وإلا فإنّ الرّد في حال الفشل، هو العودة إلى تخصيب اليورانيوم بأعلى مُعدّلات مُمكنة ودون أيّ سقف أو قيود، وهذا موقف عقلانيّ يعكس استراتيجيّة سلميّة تسعى لتجنّب المُواجهة العسكريّة، ولكنّنا نشُك في تجاوب أوروبا مع هذه المُبادرة لعدم امتِلاكها أيّ أدوات ضغط فاعِلة على إدارة ترامب، أو امتلاك القُدرة، أو حتى الرّغبة، على مُعارضة عُقوباتها بشكلٍ فاعلٍ عمليًّا.
***
قرع طُبول الحرب سيستمر وسترتفع مُعدّلات ضجيجه في الأيّام والأسابيع المُقبلة، ولا نستغرب أن تأتي شرارة التّفجير على يد “الموساد” الإسرائيليٍ بطريقةٍ أو بأُخرى.
نشرح أكثر ونقول: ماذا لو وقف هذا الموساد الذي يملك تاريخًا طويلًا في الأعمال الاستخباريُة القذِرَة، ماذا لو “فبرك” هُجومًا ضد القوّات الأمريكيّة في العِراق، أو أهداف سعوديّة أو إماراتيّة في مِنطقة الخليج، وخرجت مُنظّمة مجهولة ادّعت قُربها من إيران، وتبنّت المسؤوليّة عن هذا الهُجوم، لدفع الرئيس ترامب لإعلان الحرب؟ ألم يُفجّر “الموساد” دور السّينما في بغداد والمعابد اليهوديّة في مِصر لدفع اليهود إلى الهجرة إلى فِلسطين المُحتلّة؟
من حق إيران أن تُدافع عن نفسها بكُل ما تملكه من أسباب القُوّة، وأن تتصدُى لهذا الاستِكبار الاستفزازيّ الأمريكيّ، وهي تملك القُدرة العسكريّة، صحيح أنّ أمريكا هي الأقوى، ولكنّها ستتكبّد خسائر كُبرى لا تستطيع تحمّلها.
نسأل: ألم تنسحب مهزومةً من العِراق بعد احتلاله بسُهولةٍ ويُسر، ألم تتكبُد الخزينة الأمريكيّة خسائر تصِل إلى 7 تريليون دولار مجموع تكلفة هذه الحرب؟ ألم تخسر حربها في أفغانستان وتستجدي التّفاوض مع طالبان لتسهيل هرب قوّاتها؟ الم يُهزَم مشروعها في تغيير النّظام في سورية بعد خسارةٍ ماليّةٍ فاقت الـ 90 مِليار دولار؟
الشّعوب العربيّة والإسلاميّة تملك إرادة القِتال، وتضع الخلل في موازين القِوى جانبًا آذا جرى المس بكرامتها الوطنيّة، وما جرى في قِطاع غزّة الصّغير مساحة، والكبير إرادة، في الحرب الأخيرة أحد الأمثلة، ونجزم أنّ الشعب الإيراني أو الغالبيّة السّاحقة منه لن يكون استثناء إذا كُتِبت عليه الحرب.. والأيّام بيننا.