الحرب البرية في غزة وفتح الجبهة الشمالية وإشتعالها
الحرب البرية في غزة وفتح الجبهة الشمالية وإشتعالها
تحليل وتقدير موقف
على الرغم من القرار الإسرائيلي بخوض الحرب البرية بسبب أنه من دونها لا يمكن إحراز نصر حاسم على “حماس”، ومن دون هذا النصر ستفقد إسرائيل مكانتها الإستراتيجية وتصبح “ملطشة” لكل من هب ودب من أعدائها، فإن الحرب لم تبدأ بعد.
ويعود تأخير الحرب البرية إلى الأسباب الآتية:
أولًا: خشية قوات الاحتلال من وقوع خسائر فادحة في صفوفها بسبب مفاجآت تعدها المقاومة، مثل المفاجأة التي زلزلتها في طوفان الأقصى، لذلك فهي بحاجة إلى وقت للحصول على معلومات استخبارية، وإلى قدوم قوات أميركية إلى المنطقة، مع تزايد احتمال فتح جبهات أخرى.
ثانيًا: مواصلة سياسة الأرض المحروقة التي وصلت إلى حد مواصلة وتصعيد المجازر الجماعية، وجعل مناطق غير قابلة للحياة لفترة طويلة، حتى تضمن قوات الاحتلال تقليل الخسائر لديها، في حين أن الدمار والبنايات المهدمة كما يقول خبراء عسكريون قد يحرم المقاومة من التواجد البشري الكثيف، ولكنه يوفر متاريس من شأنها أن تساعد المقاومين وتمكنهم من إلحاق خسائر كبيرة بالقوات الإسرائيلية، فكل مقاوم في حرب المدن مدافع مختبئ في مخبأ حصين تحت الأرض أو فوقها، يعرف جيدًا أرض المعركة، ومستعد تمامًا لها، وهو بحاجة وفق الخبراء إلى 26 جنديًا مهاجمًا لكي تحدث المساواة بين الفريقين.
ثالثًا: الخشية من احتمال اتساع الحرب المحدودة على الجبهة الشمالية بعد أن اتضح أن حزب الله لن يسمح بهزيمة المقاومة، لذا يلجأ إلى التصعيد المتدرج في حربه، بما يتناسب مع تقدم الحرب، وفي اللحظة التي يشعر فيها بأن المقاومة ستُكسر فلن يتردد في توسيع الحرب، ولو أدى ذلك إلى حرب إقليمية بدخول جبهات أخرى، سورية وعراقية ويمنية، وأخيرًا إيرانية، مع تقديري أن توسيع الحرب المحدودة في الشمال سيساهم في وقف الحرب على الفلسطينيين أكثر ما يفتح طريق الحرب الإقليمية، التي لا أحد يريدها؛ لأنها مدمرة ونتائجها غير مضمونة.
رابعًا: مفاضلة الحكومة الإسرائيلية ما بين المبادرة بتوجيه ضربة استباقية لحزب الله (كونه الهدف الثاني للحرب الإسرائيلية)؛ إذ أشارت مصادر إسرائيلية وأميركية إلى أن وزير الحرب الإسرائيلي دعا إلى الضربة الاستباقية، لكن الإدارة الأميركية عارضت ذلك، وبين البدء في الحرب البرية في القطاع، والاستعداد في الوقت نفسه لتوسيع الحرب على الجبهة الشمالية.
خامسًا: ضغط الولايات المتحدة والدول التي لها أسرى في أيدي المقاومة الفلسطينية لتأخير الحرب البرية، على أمل أن تتمكن من الإفراج عنهم، خصوصًا أن المقاومة أجادت في استخدام هذه الورقة، وظهرت إنسانية ومسؤولة وليست داعشية، كما جاء على لسان أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، حين أعلن أن الأسرى المدنيين ومن الجنسيات الأخرى ضيوف، وسيتم الإفراج عنهم عندما تتوفر الظروف المناسبة، وهنا التفاوض جارٍ على وقف الحرب لساعات عدة، وربما لأيام لكي تتمكن المقاومة من الإفراج عنهم.
وخير ما نختم به المقال، ما جاء في مقال توماس فريدمان، الصحافي الأميركي الصهيوني المقرب من إدارة بايدن؛ حيث قال: “إن الاستيلاء على غزة من دون ربطها بنهج جديد تمامًا فيما يتعلق بالمستوطنات والضفة وحل الدولتين سيكون بمنزلة كارثة لإسرائيل وكارثة لأميركا”، وأضاف: “قد يؤدي إلى إشعال حريق عالمي وتفجير هيكل التحالف المؤيد لواشنطن بالكامل، الذي بنته الولايات المتحدة في المنطقة منذ أن هندسه هنري كيسنجر منذ نهاية حرب أكتوبر 1973″، و”يمكن دون ذلك أن يلحق الضرر بإسرائيل بشكل لا يمكن إصلاحه … وتهدد اليهود في كل مكان وتزعزع استقرار العالم كله”.
ومن الواضح أنهم لم ولن يستجيبوا لنصيحة فريدمان، وبالتالي إذا لم يرتدعوا ويوقفوا الحرب سيحصل ما حذر منه، وأكثر من ذلك ستواجه إسرائيل هزيمة؛ لأن الشعب الفلسطيني لا يملك سوى خيار الصمود والانتصار، مع العلم أن الحرب لها امتدادات عربية وإقليمية ودولية، وتندرج بتخطيط من أطرافها أو من دون تخطيط ضمن الصراع العالمي على رسم خريطة المنطقة والعالم، وعلى قيادة النظام العالمي القادم .
هاني المصري – رام الله
المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية