تخوف إسرائيلي من اندماج كل ساحات المواجهة داخل فلسطين وخارجها
تخوف إسرائيلي من اندماج كل ساحات المواجهة داخل فلسطين وخارجها
لم تعد تبعات الاحتجاجات الإسرائيلية مقتصرة على الداخل فقط، بل وصلت إلى الأبعاد الإقليمية والدولية، لا سيما في ضوء ما ترصده القوى المعادية للاحتلال من تصدعات جبهته الداخلية، فإيران مقتنعة أن إسرائيل تسير نحو تدميرها.
هذه القراءات المعادية لدولة الاحتلال تناقش ما إذا كانت ستساعدها على لف الحبل حول رقبتها، أما في الضفة فيحاول الجيش تهدئتها، لكن الشرطة تعمل في القدس على زيادة التوتر، وكذلك الوضع في غزة التي تقف على السياج الآن، وكل ذلك يؤكد ارتباط الساحات، مما يزيد التخوف الإسرائيلي من اندماجها في مواجهة شاملة.
رون بن يشاي الخبير العسكري بصحيفة يديعوت أحرونوت، أكد أن “الوضع الاستخباراتي الذي تبلور في المؤسسة الأمنية مع بداية شهر رمضان غير مشجع، ويختلف جوهريًا عن العامين الماضيين، في ضوء تزامنه مع الأزمة السياسية والاجتماعية، وحقيقة أن الحكومة تشغل قواتها الأمنية في قناتين واستراتيجيتين مختلفتين متعارضتين، فالشاباك يعمل من خلال الجيش في الضفة الغربية، ويحاول بكل الوسائل المتاحة له، عسكرياً واقتصادياً، لخلق هدوء خلال شهر رمضان رغم اشتعال النيران في المنطقة”.
وأضاف في مقال أن “المنظومة الأمنية ترى أن تصرفات الشرطة بتعليمات من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تحرّض بالفعل على التوتر في القدس ومع الأسرى، وقد تكون النتيجة أنهما ستشعلان النار في المنطقة المتفجرة بالفعل، وعندما يُسأل كبار المسؤولين في الجهاز الأمني عما يقلقهم الآن في مجال العمليات، فسيقولون كرجل واحد إنه يتمثل في اندماج جميع مناطق النزاع في منطقة متفجرة واحدة”.
وشرح قائلا إن “الساحة البعيدة هي إيران، لأنه من المعلومات التي تتدفق لقوات الاحتلال ومجتمع المخابرات، فإن القيادة الإيرانية والحرس الثوري مقتنعون بأن إسرائيل تسير نحو تدميرها، وأن الأزمة الحالية مرحلة جديدة ومهمة على طريق تفككها من الداخل، والمرحلة التالية حسب اعتقادهم ستكون اختفاء إسرائيل من خريطة الشرق الأوسط، والنقاش الدائر هل ينبغي “مساعدة إسرائيل على لف الحبل حول عنقها” من خلال زراعة الفوضى فيها، أم ينبغي ترك الإسرائيليين في هذا الوقت لمواصلة عمل التدمير الذاتي وحدهم”.
وأوضح أن “الفرضية السائدة في إيران أن أي هجوم مسلح معاد ضد إسرائيل في هذا الوقت سيؤدي لتوحيد الشقوق الخطيرة التي ظهرت في الجيش، ونتيجة لعملية التفكك ستتوقف إسرائيل، وربما يكون هذا أحد الأسباب التي تجعل الإيرانيين، على الأقل حاليا، لا يشجعون حزب الله على العمل مباشرة ضد إسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية، رغم أنه شريك استراتيجي يمثل عنصرًا رئيسيًا في الردع الإيراني، ولهذا السبب يريد إبقاءه خارج اللعبة في الوقت الحالي، كي يكون جاهزًا للعمل عندما يحين وقت المواجهة الكبيرة مع إسرائيل”.
وأكد أن “إيران في الوقت ذاته تواصل تجنيد عناصرها في لبنان والضفة الغربية، عبر مجموعات محلية صغيرة يقدمون لها المال والسلاح، ويرسلونهم للقيام بالعمل، وهذا النمط اكتسب زخمًا مؤخرًا، ويساهم بشكل كبير في الهجمات الفلسطينية، بجانب إطلاقها مؤخرًا “هجوم الابتسامة” السياسي على دول المنطقة، بواسطة الصين مع السعودية أولا، وخفض إمدادات الأسلحة للحوثيين في اليمن، وتقارب آخر مع الإمارات العربية المتحدة، بسبب خيبة أمل الخليجية من الولايات المتحدة، والشكوك المتزايدة في الحكومة الإسرائيلية الحالية”.
وأوضح أن “هذا المسار سيؤدي لتباطؤ، وتوقف التطبيع الإسرائيلي العربي، وقد يؤثر على المواقف العربية من النزاعات التي قد تشتعل مع الفلسطينيين، وبالتالي فقد يتسبب شهر رمضان بانتكاسة في اندماج إسرائيل في الشرق الأوسط، بسبب إيران والساحة الفلسطينية، مما يجعل قوات الاحتلال تدخل المنطقة في وضع يوجد فيه أبخرة وقود في الهواء، وأي حادث قد يتدهور لحريق عام، بالتزامن مع ضعف السلطة الفلسطينية التي فقدت السيطرة على شمال الضفة الغربية”.
وأضاف أن “الجيش والشاباك يواصلان إحباط العمليات داخل مخيمات اللاجئين التي تشهد اندلاع اشتباكات بالأسلحة النارية مع مئات الفلسطينيين التي تسفر عن وفيات كثيرة، وانتشار لجنازات الشهداء، لكن الشعور بالانتقام يجلب المزيد من الأفراد والمنظمات المسلحة لدائرة المقاومة، فيما تؤجج شبكات التواصل الاجتماعي المشاعر والرغبة في الانتقام، في ضوء تزايد كميات كبيرة من الأسلحة، بما فيها العبوات الناسفة”.
واستدرك أنه “في تناقض مع الاستراتيجية التي يتبعها الجيش في الضفة، لمنع اندلاع المواجهة فيها، بمساعدة الأردن ومصر والإمارات وقطر، فإن الشرطة وحرس الحدود بإمرة بن غفير يعملان في القدس بطريقة تحرض على الاشتعال، بجانب القيود الجديدة على آلاف الأسرى في السجون الإسرائيلية، مما يجعل فرضها خلال شهر رمضان بالذات، سببا للانفجار في وجوه الإسرائيليين، لأن الشارع الفلسطيني حساس للغاية لقضية الأسرى، ويجعل كل ما تفعله الحكومة وقوات الأمن هذه الأيام ينظر إليه الفلسطينيون على أنه استفزاز متعمد”.
يكشف هذا الاستعراض الإسرائيلي عن الاستراتيجية التي حددها الاحتلال لمواجهة التوترات التي قد تنشب في واحدة من الجبهات المرشحة للمواجهة، أولها المسجد الأقصى، وثانيها الضفة الغربية، وثالثها قطاع غزة، كما حدث خلال حرب غزة الأخيرة 2021، لأن رغبة حماس هي دمج كل الساحات، وينطبق الشيء نفسه على الفلسطينيين بمخيمات اللاجئين في جنوب لبنان، الذين أطلقوا صواريخ على دولة الاحتلال.
القلق الإسرائيلي مردّه إلى أنه في حال حصول تصعيد كبير في القدس المحتلة والضفة وغزة وداخل سجون الاحتلال، فليس من الواضح ما الذي سيحدث في الداخل المحتل، أي أراضي48، مما يكشف عن عدم جاهزية الجبهة الداخلية، وهنا قد يأتي الحريق نتيجة انفجار المتفجرات الرئيسية الثلاثة: الأقصى، والأسرى، والضفة الغربية، مع بقاء القلق من إمكانية وقوع عملية إرهابية يهودية بالضفة الغربية، وهي عامل خطر محتمل، ويبقى الكابوس أمام الجيش والشاباك هو اندماج كل هذه الساحات في ساحة صراع نشطة واحدة.