هل المصالحة بين دمشق و”حماس” من ضرورات المرحلة؟
هل المصالحة بين دمشق و”حماس” من ضرورات المرحلة؟
*سنان حسن
على الرغم من أنّ اللقاء الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد مع وفد فصائل المقاومة الفلسطينية في دمشق، أعطى الضوء الأخضر لعودة العلاقات المقطوعة بين دمشق وحركة حماس، إلا أنّ السجال ما زال مستمراً عن كيفية وصول الطرفين إلى هذا الاتفاق، ولماذا اختار الطرفان هذا التوقيت؟، وما هي الأطر والآلية التي ستحكم العلاقة بينهما؟، ثم هل من شروط وضعتها دمشق لعودة هذه العلاقات؟، وهل سنشهد زخماً سياسياً لـ”حماس” في دمشق كما في السابق، أم أن الأمر سوف يقتصر على التمثيل الصوري فقط؟، وما علاقة الجناح المقاوم في حماس بكل ذلك؟.
في البداية، لا بد من التأكيد على أنّ عودة العلاقات بين دمشق وحماس تصبّ أولا: في مصلحة حلف المقاومة وتعزيز حضوره على صعيد المنطقة والعالم الذي يشهد انقساماً عامودياً على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية، والحديث المستمر عن ولادة عالم جديد متعدد الأقطاب، حيث تُعزز عودة العلاقة الدافئة بينهما من متانة الحلف وتعاضده في مواجهات التحديات وتجعله رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف، وثانيا: إنّ المصالحة بين “حماس” ودمشق في الوقت الذي تنتفض فيه الضفة الغربية ومدنها وبلداتها في مواجهة العدو الصهيوني، يمنح المقاومة الفلسطينية وفصائلها فرصة حقيقية لتعزيز التنسيق في ما بينها والعمل على الأرض من خلال توحيد كل الطاقات المقاوِمة ودعمها بأهم الوسائل للاستمرار في مواجهة الاحتلال وأدواته الإجرامية.
أسباب الطرفين في القبول بالمصالحة
إنّ الأحداث المتسارعة في المنطقة والمتمثّلة في الاستدارة التركية الكبيرة في المصالحة مع مصر والسعودية والإمارات وأخيراً مع “إسرائيل” دفعت “حماس” إلى التفكير ملياً في الضغوط التي مارستها الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله لإعادة الارتباط مع دمشق، على الرغم من رفض العديد من القيادات الحمساوية لهذه الفكرة تحت ذرائع أيديولوجية وعقائدية معروفة للجميع، “ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين”، ولكن يبدو أنّ حسابات الربح والخسارة كانت أكثر إلحاحاً أمام الواقع المستجد، فالتموضع التركي الجديد يدفع باتجاه إيجاد ملاذات أمنة لقيادات الحركة، حيث أشارت الصحافة الإسرائيلية إلى أنّ وزير الدفاع بيني غانتس خلال زيارته إلى تركيا منذ أيام أخبر نظيره التركي خلوصي آكار أنّ “تل أبيب” لا تقبل استضافة أنقرة لكبار قادة “حماس” على أرضها، دون أن ننسى المصالحة الخليجية مع قطر والاشتراطات التي وضعتها الدول الأربعة على الدوحة، والتي كان أحدها عدم جعل الدوحة مقراً لقيادات الإخوان المسلمين، والأهم الموقف القطري الذي أكده أميرها في حديث لإحدى الصحف الفرنسية بنفي أي علاقة بين الإمارة الخليجية وجماعة الإخوان المسلمين.
إنّ تصاعد نجم حركة الجهاد الإسلامي، التي يشير إليها العدو الصهيوني بأنّها المسؤولة الأولى عن ما يجري، وهذا بحد ذاته يؤرق مسؤولي الحركة ويدفعهم من جديد للتفكير والعمل في استعادة الصدارة ولو على حساب إخوة السلاح
أما داخلياً في فلسطين، فالمقاومة في الضفة وقطاع غزة والقدس تتصاعد يوماً بعد يوم ومعها يتصاعد نجم حركة الجهاد الإسلامي، التي يشير إليها العدو الصهيوني بأنّها المسؤولة الأولى عن ما يجري، وهذا بحد ذاته يؤرق مسؤولي الحركة ويدفعهم من جديد للتفكير والعمل في استعادة الصدارة ولو على حساب إخوة السلاح.
وفي الجانب السياسي، ورغم كل الزخم الذي أُعطي لمصالحة الجزائر والاتفاق الذي تمّ هناك إلا أنّ “حماس” وغيرها من الفصائل تعرف أنّ هذه المصالحة لن تجد طريقها للحياة في ظل تشبّث سلطة أوسلو بالاتفاقيات والتنسيق الأمني مع “إسرائيل” وما يجري اليوم في نابلس مثال.. عدا أنّ الحديث عن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها يلقى نفس المصير، لذا فالتواجد في دمشق يعطيها فرصة لاستعادة حضورها وتصدّر المشهد الفصائلي الفلسطيني من جديد.
إذا، كل ذلك يدفع باتجاه المصالحة، ولكن تبقى التخريجة في المضي بهذا الخيار، فتارةً يتمّ الترويج أنّ “حماس” ستتخلى عن القيادات الإخوانية التي كانت السبب في القطيعة مع دمشق، وتارةً أخرى تُفتح بوابة الحديث عن ضغط الجناح المقاوم على الجناح السياسي في الحركة للمضي بالمصالحة مع العلم أنّه لا يوجد في الحركة جناح مقاوم وآخر سياسي والعكس، وطوراً يصدر كلام آخر، لكن ذلك كله انتهى مع حسم الحركة لقرارها بالعودة إلى دمشق، كانت خلاصتها في صورة خليل الحية في قصر الشعب إلى جانب الرئيس الأسد.
“سوريا التي يعرفها الجميع قبل الحرب وبعدها لن تتغير وستبقى داعمة للمقاومة”
(الرئيس بشّار الأسد)
في تحليل الموقف السوري
أما دمشق، فإنّ قبولها بالمصالحة مع “حماس” منطلق من تعريفها الدائم لأولوية المقاومة على كل ما عداها.. وقد أكد الرئيس السوري خلال لقائه قادة فصائل المقاومة بالقول: “سوريا التي يعرفها الجميع قبل الحرب وبعدها لن تتغير وستبقى داعمة للمقاومة”. ومن جهة ثانية، فإنّ قبول دمشق بالمصالحة جاء أيضاً في جزء منه نزولاً عند رغبة الحلفاء وفي مقدمتهم إيران وحزب الله حيث كان لأمينه العام السيد حسن نصر الله الجهد الأكبر في تحقيقها وتعزيز متانة الحلف الممتد من طهران إلى دمشق وبيروت وفلسطين وصنعاء.
أما النقطة الأخيرة التي يمكن الوقوف عندها فهي رغبة دمشق في طيّ صفحة العشرية السوداء وفتح أخرى جديدة.
وعليه، فإنّ كل معني في فلسطين وقضيتها يرحّب بهذا التقارب الجديد وإن كان لن يصل إلى ما كانت عليه العلاقات سابقاً بين الطرفين، ربما، ولكن مجرد انعقاد اللقاء والصورة التي خرجت عنه دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية قبل كيان الاحتلال إلى إدانة المصالحة بين دمشق و”حماس” عبر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس. ما يعني ذلك، بالتفكير البعيد المدى، أنّ ترابط وتلاحم قوى المقاومة له تأثير كبير في مسار الأحداث في المنطقة.
وبالتالي، فإنّنا نأمل لهذا المسار الجديد – القديم الثبات والاستقرار، لأنّ فلسطين تستحقّ من الجميع التغاضي عن بعض الحسابات هنا وهناك واللقاء بين كافة القوى الوطنية على أمل التحرير والعودة النهائية.
*كاتب سوري