متخصص بالشأن الفلسطيني

اللهجة العامية الفلسطينية.. عربية أم موروث كنعاني..؟ العامية الفلسطينية واللغة العربية

اللهجة العامية الفلسطينية.. عربية أم موروث كنعاني..؟ العامية الفلسطينية واللغة العربية

دأب العرب قديماً على تسمية اللهجات العربية “لغات”، فكانوا يتحدثون عن “لغة هذيل ولغة قريش”. أما اللغات بمفهومها الحالي فكانوا يدعونها “ألسُن”، فكانوا يتحدثون عن “لسان العرب” و”لسان الفُرس” و”لسان الهند”.

أما مصطلح “لهجات” فلم يَثبُت في مكانه بين اللغويين العرب كمصطلح علمي متفق عليه إلا في العصر الحديث، وكان لـــ “مَجمع اللغة العربية” في القاهرة الفضل الأكبر في ذلك، فكانت المداولات في قضايا “اللهجات العامية” تحتل مكانا هاماً في اجتماعاته الحولية.

ويعتبر اللغويون العرب المحدثون كل ما هو ليس فصيحاً من اللغة العربية “لهجة عامية” بغض النظر عن مستوى تميُّزها أو عموميتها؛ بمعنى أنهم يقسمون اللغة العربية إلى قسمين متعارضين ومتناقضين: اللغة العربية الفصحى في جهة، و”اللهجات العامية” في الجهة الأخرى.

من الواضح أن هذا الموقف من العاميات العربية، والذي يتبناه “مجمع اللغة العربية” في القاهرة، يتضمن تفضيلاً للفصحى على العامية، واعتبار اللغة العربية الفصحى هي الأصل الصحيح السليم النقي الصافي، في حين أن “اللهجات العامية” ما هي إلا فروع من هذه اللغة ابتعدت عن الأصل الصحيح ونقائه فأصبحت تشويهات وانحرافات ولُحن وكسر أحدثه العامة الذين لا يتقنون العربية ولا يعرفون أصولها.

ليس غريباً أن يعتبر اللغويون العرب المحدثون اللهجات العامية العربية ساحة لالتقاء اللغات الأعجمية، (كأنها سوق شعبية) يتسرب من خلالها الدخيل والغريب والأعجمي إلى اللغة العربية الفصحى. إذ يقول عيسى إسكندر المعلوف: “والدخيل هو ما تسرَّب من الأعجمية إلى لهجات العرب، باختلاطهم بالأعاجم، فشاع بينهم وصار من ألفاظهم التي يتفاهمون بها، وذلك من القديم إلى يومنا”.
وأوضح تعبير عن هذا الموقف الاستعلائي نجده فيما أورده اللغوي اللبناني عيسى اسكندر المعلوف في مساهمته لكتاب “مجمع اللغة العربية” في القاهرة عن اللهجات العربية من عام 2004، حيث يُعرِّف “اللهجة العامية” بقوله: “هي لغة فصيحة موضوعة في عصور مختلفة للتعبير عن الأفكار بقوالب كثيرة، اصطلح عليها أبناؤها في كل قطر وبكل وقت، فلاكتها الألسن، وتلاعبت بها التصرفات، فتغيَّرت أساليبها، وتلوَّنت ألفاظها بين فصيحة محرَّفة أو مصحَّفة، وأجنبية دخيلة، ومُرتجَلة غريبة، ولحن شائع، وتصرُّف شائن، حتى بعُدت في بعض الوجوه والأساليب عن أصلها الفصيح، ومؤداها البليغ، فكادت من هذه الوجوه تكون لغة قائمة بذاتها”. (ص 538).

وليس من الغريب، والأمر كذلك، أن يعتبر اللغويون العرب المحدثون اللهجات العامية العربية ساحة لالتقاء اللغات الأعجمية (كأنها سوق شعبية) يتسرب من خلالها الدخيل والغريب والأعجمي إلى اللغة العربية الفصحى؛ يقول عيسى إسكندر المعلوف في نفس المقالة: “والدخيل هو ما تسرَّب من الأعجمية إلى لهجات العرب، باختلاطهم بالأعاجم، فشاع بينهم وصار من ألفاظهم التي يتفاهمون بها، وذلك من القديم إلى يومنا” (نفس المصدر).

حتى أن بعض اللغويين العرب يعتبر أن الكلمات الأعجمية التي تدخل إلى العربية الفصحى عن طريق اللهجات العامية تلويثاً وتشويهاً للغة العربية، فالباحث المصري عبد الصبور شاهين، على سبيل المثال، يقول: “ولا ينبغي أن تتخذ هذه الانحرافات الطارئة على اللهجات ذريعة إلى تحريف اللغة الفصحى بدعوى تحديثها… (فهذه) قضية تتصل ببنية العربية في أوزانها المختلفة التي يستحيل تغييرها” (شاهين، 1986: 323).

كان نعت كلمة ما بأنها “عاميَّة” يعني أنها ليست فصيحة، وبالتالي فهي غريبة، وهي خاطئة، وهي مُدخَلة أو موضوعة أو مرتَجلة، وهي ملحونة أو منحولة أو مصطنعة.
إن هذا التمييز القيَمي بين العربية الفصحى و”اللهجات العربية”، بين الأصل الأصيل والفروع التي ابتعدت عنه، هو السبب الذي يجعل اللغويين العرب المعاصرين يصرون دائماً على إتباع مصطلح “لهجة” و”لهجات” بكلمة “عامية”، فيتحدثون عن “اللهجات العامية العربية” وعن “اللهجة العامية السورية” و”اللهجة العامية المصرية” إلى آخر القائمة.

فلقد ورثوا هذا المدلول القيَمي لكلمة “عامِّي” من اللغويين العرب عبر عصور التاريخ العربي الإسلامي، حيث كان نعت كلمةٍ ما بأنها “عاميَّة” يعني أنها ليست فصيحة، وبالتالي فهي غريبة، وهي خاطئة، وهي مُدخَلة أو موضوعة أو مرتَجلة، وهي ملحونة أو منحولة أو مصطنعة.

وفي معظم المعاجم العربية القديمة (كـ”الجمهرة” لابن دريد و”الصحاح” للجوهري و”التهذيب” للأزهري و”اللسان” لابن منظور و”المحيط” للفيروزبادي)، تجد مواد بعض المفردات تنتهي بعبارات من قبيل: “وهذا مما تقوله العامَّة”، “وهذا مما دأبت عليه العامة”، “وهذا من كلام العامة”، “وأصلها عامي”.

حتى أن الكسائي (737-805م) وضع كتاباً في “ما تلحَن فيه العامة” وتبعه الزبيدي (928-989م) فوضع كتاباً في “لحن العوام” (2000).

ويفسر النحوي محمد بن أبي الفتح البعلي (645-709م) المدلول الفعلي لمثل هذه العبارات بقوله: “العامِّي منسوب إلى العامّة الذين هم خلاف الخاصة، لأن العامة لا تعرف العلم، وإنما يعرفه الخاصة” (البعلي، 1981: 340).

ويتفوق الجاحظ بصراحته على كل من سبقوه من اللغويين حين يقول في “البيان والتبيين”: “وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عامياً، وساقطاً وسوقياً، فكذلك لا ينبغي أن يكون غريباً وحشياً” (1998: ج1، 144).

العامي كان بمثابة الكلام السوقي الساقط المُبتذل الذي حاول اللغويون العرب عبر العصور تخليص العربية الفصحى من آثاره السلبية، فوضعوا المؤلفات كي يضبطوا ما هو “ليس في كلام العرب”. إن في هذا الموقف الطبقي الاستعلائي تجاه العامِّيات العربية انتقاص شديد لثقافات الشعوب التي تتكلم هذه العاميات، وإهمال سافر لعراقتها الحضارية وغناها اللغوي، وشطب كامل لآلاف الأعوام من التاريخ الذي سبق وصول “العروبة” واللغة العربية إليها مع قدوم الجيوش العربية الإسلامية من الحجاز في منتصف القرن السابع للميلاد.
فالعامي هو إذاً الكلام السوقي الساقط المُبتذل الذي حاول اللغويون العرب عبر العصور تخليص العربية الفصحى من آثاره السلبية، فوضعوا المؤلفات كي يضبطوا ما هو “ليس في كلام العرب”.

إن في هذا الموقف الطبقي الاستعلائي تجاه العامِّيات العربية انتقاص شديد لثقافات الشعوب التي تتكلم هذه العاميات، وإهمال سافر لعراقتها الحضارية وغناها اللغوي، وشطب كامل لآلاف الأعوام من التاريخ الذي سبق وصول “العروبة” واللغة العربية إليها مع قدوم الجيوش العربية الإسلامية من الحجاز في منتصف القرن السابع للميلاد.

ونحن إذ نستعمل هنا مصطلح “العامِّيات العربية” ومصطلح “العامية الفلسطينية” فإننا نجرّدهما تماماً من هذا التفريق الطبقي القيمي بين العامة والخاصة أو بين السليم والمشوَّه أو بين الفصيح والملحون، ونقصُر مدلولهما على اللغة المحكية الدارجة المشتركة لمجموعة من البشر تسكن في منطقة جغرافية محددة وتشترك في تاريخها الثقافي واللغوي، وهي متميزة في اللفظ والمبنى والمضمون عما يجاورها من اللغات المحكية الدارجة، وهي في نفس الوقت لا تلتزم التزاماً تاماً بقواعد اللغة العربية الفصحى في النحو والصرف واللفظ والصياغة الإنشائية.

العامية الفلسطينية العربية التي نتكلمها الآن، ليست فرعاً من فروع اللغة العربية، بمعنى أنها لم تتفرع من اللغة العربية الفصحى كما يتفرع الغصن من الجذع. فأهل فلسطين يتكلمون العربية بالعامية ليس لأنهم “عوام” لا يعرفون ما تعرفه الخاصة، وليس لأنهم يجهلون أصول اللغة العربية الفصحى وقواعدها، وليس لأنهم يخطئون بفصيح العرب ويلحنون فيه، وإنما لأنهم يتكلمون العربية مخلوطة بموروثهم الثقافي ما – قبل- العربي ومجيَّرة لعاداتهم اللغوية التي دأبوا عليها لمئات السنين.
إن العامية الفلسطينية المحكية التي نتحدث بها الآن، هي عامية عربية بالتأكيد. فنحن الفلسطينيين عرب نتكلم العربية، واللغة العربية هي اللغة الحية التي نعرفها ونعيش من خلالها ونمارسها في كل ملابسات حياتنا اليومية، وهي التي تشكل وعينا وإدراكنا وعالمنا كله.

إلا أن العامية الفلسطينية العربية التي نتكلمها الآن، ليست فرعاً من فروع اللغة العربية، بمعنى أنها لم تتفرع من اللغة العربية الفصحى كما يتفرع الغصن من الجذع.

وأنا لا أعتبر علاقة العامية الفلسطينية بالعربية الفصحى كعلاقة الفرع بأصله، كما يعتقد معظم الناس وكما يدعي معظم أساتذة اللغة العربية والنحويين العرب. ذلك لأن اللغة العربية جاءت إلى أهل فلسطين في وقت متأخر جداً مقارنةً بعراقة موروثهم اللغوي والحضاري، وكانوا حينئذٍ يتكلمون لغة هي مزيج من الكنعانية والآرامية والسريانية كانت قد تطورت لديهم عبر أكثر من ألفي عام، فدمجوا اللغة العربية القادمة إليهم من جزيرة العرب بلغتهم، وذهبوا بها مذهب كلامهم وطوَّعوها لقواعدهم في النطق واللفظ والنحو والصرف والإنشاء.

فأهل فلسطين يتكلمون العربية بالعامية ليس لأنهم “عوام” لا يعرفون ما تعرفه الخاصة، وليس لأنهم يجهلون أصول اللغة العربية الفصحى وقواعدها، وليس لأنهم يخطئون بفصيح العرب ويلحنون فيه، وإنما لأنهم يتكلمون العربية مخلوطة بموروثهم الثقافي ما-قبل- العربي ومجيَّرة لعاداتهم اللغوية التي دأبوا عليها لمئات السنين.

حتى أنَّ سكان فلسطين ظلوا يتكلمون الآرامية والسريانية (واليونانية في منطقة الساحل) لعدة قرون بعد وصول عرب الجزيرة إليهم وتعريبهم، وذلك على الرغم من فرض اللغة العربية عليهم في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (685-705م) الذي أصدر مرسوماً بفرض اللغة العربية على رعايا الدولة الإسلامية، ومنعهم من استخدام لغاتهم الأصلية في التداولات الشفوية والكتابية [6].

وينطبق هذا على فلسطين بالتأكيد، وحتى منتصف القرن الثالث عشر، كان سكان فلسطين يتكلمون الآرامية أو السريانية في بيوتهم والعربية في الفضاء العام (كما يفعل الأرمن والشركس في فلسطين حتى يومنا هذا)، ولم يتم القضاء نهائياً على الآرامية والسريانية كلغة محكية في فلسطين إلا في نهاية فترة الحروب الصليبية.

آخر الأخبار
*رئیس الجمهوریة الإيرانية إبراهيم رئيسي: دور اليمن ومبادراته وخطواته الشجاعة في البحر الأحمر وتجاه ا... عيد البعث والجلاء والقضية الفلسطينية العرض التعبوي للفصائل الفلسطينية #طوفان_الأحرار #طوفان_الأقصى #طوفان_الأحرار تحضيرات شباب فصائل الم.#قاومة الفلسطينية في مخيم اليرموك...للعرض الع.#سكري في يوم الق... مسيرات جماهيرية حاشدة نصرةً لغزة وللمقاومة الفلسطينية، ودعما للمواقف والقرارات الشجاعة لقائد الثورة ... مشروع القرار لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، حظي بتأييد 12 عضواً من أصل 15، وامتناع بريطانيا وسويسرا... العرض التعبوي لشباب فصائل المقاومة الفلسطينية في مخيم اليرموك بالعاصمة دمش بمناسبة يوم القدس العالمي... مقتطفات مترجمة من خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي اليوم الخميس الموافق - 18.4.2024 - 9 ش... خالد عبد المجيد لجريدة الوفاق: نعتمد على ارادة شعبنا وصموده الأسطوري ومقاومته الباسلة وقوى محور المق... "صحيفة إسرائيلية": 4 ملفات مصيرية ستحدد مستقبل "إسرائيل" في الشرق الأوسط (عيد البعث والجلاء والقضية الفلسطينية)...ندوة سياسية فكرية في قاعة السابع من نيسان بدمشق. الضربة الانتقامية الايرانية لمواقع ومطارات كيان الإحتلال تمثل تحولا استراتيجیا في الصراع مع العدو ال... #أطفال فلسطين لونا دياب طوفان_الأحرار #طوفان_الأقصى #يوم_القدس_العالمي من مخيم اليرموك معرض فني سينوغرافي في مخيم اليرموك يحاكي بطولات المقاومة وصمودها مخيم الوافدين تحضيرات العرض العسكري في يوم #القدس_العالمي بريف دمشق مخيم السيدة زينب (سلام الله عليها) تحضيرات العرض العسكري في يوم #القدس_العالمي مخيم خان دنون تحضيرات العرض العسكري في يوم #القدس_العالمي مخيم خان الشيح تحضيرات العرض العسكري في يوم #القدس_العالمي مخيم اليرموك تحضيرات العرض العسكري في يوم #القدس_العالمي يديعوت أحرونوت": ليلة الهجوم الإيراني كانت مهزلة استراتيجية و "فشل استراتيجي" لـ"إسرائيل" بسبب سوء ا... انتقادات واسعة للسلطة الفلسطينية في رام الله والدول العربية إزاء الصمت والتواطؤ على إرهاب المستوطنين... حجم الرسائل السياسية والعسكرية الإيرانية في الضربة الموجهة لمواقع العدو الصهيوني كان بالغا وبليغا في... *عبد المجيد يشيد بالضربة الإيرانية لمواقع العدو الصهيوني، ويعتبرها خرقا سياسيا وعسكريا استتراتيجيا ل... ورطة أمريكا وتحالف ثلاثي الشر تزداد اتساعاً في البحر الأحمر، أمام الكابوس اليمني واستمرار دوره المحو... ايران تؤكد عقب هجومها التاريخي على كيان العدو: ثبتنا معادلة جديدة…ونحذر العدو من أي مغامرة جديدة وست...