تقصير واضح للسلطة الفلسطينية وغياب خطط لتعزيز صمود الأهالي بمدينة القدس.
تقصير واضح للسلطة الفلسطينية وغياب خطط لتعزيز صمود الأهالي بمدينة القدس.
القدس:رغم المخاطر والتحديات الجمة التي تواجهها مدينة القدس المحتلة، والمحاولات الإسرائيلية المتسارعة لحسم معركتها، إلا أنها لم تحظَ بأولوية مركزية مُطلقة في أجندة وميزانية السلطة الفلسطينية على مدار السنوات الماضية، بل ظلت وحيدة في مقاومة الاحتلال ومخططاته، مع غياب أي خطة استراتيجية وطنية ونضالية لدعم صمود سكانها على كافة المستويات.
ويتهم مقدسيون السلطة بعدم وضع قضيتهم ومعاناتهم على سلم أولوياتها، وعدم تخصيص الميزانيات المناسبة لها، وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة الحقيقية لهم في مواجهة اعتداءات الاحتلال وإجراءاته الممنهجة، ومشاريعه التهويدية والاستيطانية التي تتصاعد يومًا بعد يوم.
ونصت اتفاقية “أوسلو” على تأجيل البت في قضية القدس إلى مفاوضات الحل النهائي دون أية ضوابط، الأمر الذي فتح المجال أمام “إسرائيل” لاتباع سياسة تهويد ممنهجة بحق المدينة، والتصرف فيها كيفما تشاء دون أي رادع أو رقيب وحسيب.
وقسَمت الاتفاقية الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 إداريًا وأمنيًا إلى مناطق (أ، ب، وج)، لكن القدس لم تدخل في تلك المعادلة، بحيث سلمت السلطة كل الأمور الحياتية والقضايا الخدماتية اليومية بالمدينة إلى إدارة بلدية الاحتلال، والتي تمارس تمييزًا عنصريًا وإهمالًا كبيرًا في تقديم أبسط الخدمات للمقدسيين.
وتسخّر “إسرائيل” لأجل تنفيذ أهدافها بالقدس أموالًا ضخمة من موازنتها، ومن تبرعات تقدم من داخلها وخارجها، خصوصًا من الولايات المتحدة الأمريكية، في المقابل لا تقدم السلطة أي شيء يُذكر لدعم صمود سكانها وتثبيت وجودهم في مدينتهم المنكوبة. بحسب نشطاء مقدسيين.
شكلي ورمزي
الناشط المقدسي ناصر الهدمي يصف حجم الدعم الذي تقدمه السلطة لأهالي القدس بأنه “شكلي ورمزي”، لا يرتق لمستوى المعاناة والأوضاع الصعبة التي يعيشونها، بفعل ممارسات الاحتلال.
ويقول لوكالة “صفا”: “منذ توقيع اتفاق أوسلو ونشوء السلطة لم تكن القدس على سلم أولوياتها وحتى طيلة سنوات المفاوضات، بل تركت الاحتلال يستفرد فيها وبسكانها دون منعه، ما كان له تبعات سلبية على المدينة”.
ويضيف أن” إهمال السلطة للقدس وأهلها على مدار السنوات الماضية، جعل يد إسرائيل مطلقة تفعل ما تشاء من عمليات تهويد وهدم وسيطرة على أراضيها ومنازلها”.
وبنظر الهدمي، فإن “الاتفاقيات التي وقعتها السلطة مع إسرائيل قيدتها ومنعتها من ممارسة أي نشاط بالمدينة، حتى بات دور وزير شؤون القدس شكليًا، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئًا لسكانها”.
“لا يوجد دعم حقيقي للسلطة بالقدس، فما تقدمه لا يسمن ولا يغني من جوع-يقول الهدمي-بل هي أمور رمزية لأجل الاستهلاك الإعلامي فقط، بالمقابل تخصص حكومة الاحتلال ميزانيات ضخمة لأجل تهويد القدس والسيطرة عليها”.
ويلفت إلى أن السلطة تقدم 5 آلاف دولار فقط لصاحب المنزل الذي تهدمه بلدية الاحتلال، في “استهزاء واضح لصمود المقدسيين وتضحياتهم، رغم أنهم يعانون الأمرين حفاظًا على بقائهم في مدينتهم”.
تقصير واضح
وأما الخبير في شؤون القدس جمال عمرو، فينتقد في حديثه لوكالة “صفا”، دور السلطة بكافة مؤسساتها إزاء دعم المدينة، وتقصيرها وعجزها الواضح عن ذلك، بموجب القيود التي فرضتها عليها اتفاقية “أوسلو” ومنعتها من التصرف بشؤون المدينة.
ويصف عمرو الدعم بأنه “ضعيف وضئيل جدًا، ومخزي وخجول”، لا يضاهي حجم تضحيات السكان وصمودهم في مواجهة عنجهية الاحتلال، ولا يقاس بحجم تعداد سكانها، ولا بقيمة الدعم الإسرائيلي المخصص لتهويدها.
وبحسبه، فإن” السلطة تركت المدينة تواجه مخططات الاقتلاع والهدم والتهويد لوحدها، ما أدى إلى تدهور أوضاع سكانها حتى وصلت إلى حالة مزرية تمامًا”، متهمًا إياها “بعدم تحمل مسؤولياتها الكاملة تجاه المدينة المنكوبة، باعتبارها عاصمة الشعب الفلسطيني”.
والقدس– حسب عمرو- بحاجة ماسة وعاجلة إلى مليار دولار لدعم كافة قطاعاتها واحتياجاتها المطلوبة، وتنفيذ المشاريع الحيوية على أرض الواقع، على أن تخصص تلك الميزانية سنويًا حتى تبقى المدينة على قيد الحياة، ولا تنهار.
ولا تسمح سلطات الاحتلال للسلطة بتمويل أو رعاية أي أنشطة ثقافية أو اجتماعية أو سياسية في القدس، بل تحارب أي مظهر سيادي فلسطيني، ويعتبر ذلك “عملًا إرهابيًا”، بحيث لاحق واعتقل منظمي تلك النشاطات والفعاليات.
وفي العام 2019، أصدر وزير الأمن الداخليّ الإسرائيليّ جلعاد أردان قرارات جديدة لحظر أي نشاطات ثقافية أو سياسية للمنظمات الفلسطينية، أو السلطة الفلسطينية بمحيط القدس، وقرر تمديد إغلاق كافة المؤسسات التابعة للسلطة في المدينة.
خطة وطنية نضالية
وأما المقدسي سامر أبو عيشة، فيتهم السلطة بالتقصير وإهمال المقدسيين ومؤسساتهم سواء الاقتصادية أو الصحية أو التعليمية أو الاجتماعية، وحتى الأسرى.
ويقول أبو عيشة: إن” السلطة لا تقم بأي دور تجاه المدينة المقدسة، وتثبيت وجود سكانها، وإعطائهم الموارد اللازمة لتمكين صمودهم ودعم وتعزيز كافة القطاعات المقدسية، بما فيها الفقراء”.
ويشير إلى أن الجمعيات الاستيطانية مثل “العاد” و”عطيريت كوهانيم”، وهما غير حكوميتين، ميزانياتهما لأجل تهويد القدس، تعادل ميزانية السلطة أضعافًا مضاعفة إزاء ما تقدمه للقدس.
ويضيف أن “السلطة ليس لديها أي خطة سياسية أو نضالية، أو وطنية، ولا حتى خطة صمود وثبات، بل حولت الشعب الفلسطيني لنظام غير منتج يعتمد على المساعدات”.
ولتعزيز صمود المقدسيين، يؤكد أبو عيشة أن المطلوب وضع خطة وطنية نضالية تقودها الحراكات الشعبية والشبابية الفلسطينية لأجل تثبيت المقدسي ومؤسساته ووجودها في وجه الاحتلال.
ولا يختلف الناشط المقدسي علاء الحداد في رأيه كثيرًا عن سابقيه، فيرى أن “دعم السلطة شحيح وقليل جدًا لا يتناسب مع احتياجات القدس وسكانها نهائيًا، ولا مع ظروفهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانون منها، بسبب إجراءات الاحتلال.
ويوضح الحداد لوكالة “صفا” أن المؤسسات المقدسية الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية وغيرها، كلها بحاجة إلى دعم حقيقي كامل يلبي مطالبهم واحتياجاتهم، ويدعم صمودهم.
القدس-المنار:17.2.2021