مؤامرة سعودية – إسرائيلية على فلسطين والمقاومة
الخميس 14 فبراير 2019
مقالات-الكوثر: لم تكشف الأخبار التي أوردها الإعلام الإسرائيلي من إتصالات وزيارات على أعلى مستوى بين الدول الخليجية والكيان الصهيوني عن جديد، بل كانت توثيق لواقع كان الجميع يعلمه حتى وإن لم يكن معلن عنه، ولعلها لم تكشف عن شئ أخطر من ذلك بكثير ولكنها تثبت التآمر على فلسطين والمقاومة.
مع ذلك، ما كُشف عنه هو توثيق لما كان يُحكى أنه جرى ويجري بين الطرفين، ولا يقل أهمية عن ذلك التوقيت والسياق اللذين جرى فيهما الكشف والرسائل التي هدفت إليها. من أوائل ما تشير إليه التقارير، التي نشرتها القناة الإسرائيلية «13»، أنها ترجمة لقرار بإخراج العلاقات الإسرائيلية إلى العلن. وما كان يُقال في السرّ بات المطلوب قوله على رؤوس الأشهاد. ولمن يتوهم كأن هذا الكشف يضر بالنظام السعودي أو غيره، ينبغي الالتفات إلى حقيقة أن هذا النظام عمد منذ سنوات إلى تحويل الاتصالات مع تل أبيب إلى سلوك طبيعي، وتدرج في تظهير هذه الاتصالات عبر اللقاءات والزيارات والمواقف المتوالية. ويأتي الكشف الإسرائيلي في نفس السياق الذي يسهّل المهمة على الحكام الذين يجاهرون بالمصالح المشتركة مع الكيان الإسرائيلي.
إلى ذلك، من الصعب الفصل بين هذا الكشف وبين ما يمهّد له من خطوات على مستوى «صفقة القرن» التي تهدف إلى توسيع نطاق شرعنة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، من أجل فتح الطريق أمام المترددين حتى الآن في تظهير علاقاتهم السرية إلى العلن. لكن الأهم أن هذا الكشف هو في العنوان العام جزء من استراتيجية يشكل الإعلام الإسرائيلي أحد أدواتها، إلى جانب وسائل إعلام عربية وخليجية تهدف إلى ترسيخ مقبولية “إسرائيل” ووجودها في المنطقة، وتحويل اللقاءات والاتصالات معها إلى خيار طبيعي في سياق التحالفات بين دول المنطقة. ومن الواضح أن كل هذه الاتصالات وما سبقها وأعقبها هدفه تصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان التسوية، والتآمر على المقاومة ومحورها، بوصفها الشعلة الوحيدة التي تبقي على قضية فلسطين، ولكونها الخيار الوحيد في مواجهة الاحتلال.
لا يقلُّ أهميةً التوقيت والسياق اللذان كُشف فيهما عن الاتصالات
على مستوى التوقيت الدولي، ترى تل أبيب أن وجود الإدارة الأميركية الحالية يشكل وقتاً مثالياً جداً للانتقال إلى خطط الدِرج السياسية والتطبيعية، عبر استغلال قدرة واشنطن الهائلة على إخافة أتباعها من الحكام العرب، الأمر الذي قد لا يتكرر بالنسبة للكيان الصهيوني كفرصة ملائمة، خصوصاً أن الإدارات السابقة كانت تركز أكثر من إدارة دونالد ترامب على ضرورة أن تدفع “إسرائيل” ثمناً ما مقابل هذا المستوى من التطبيع الواسع، فيما تجاهر هذه الإدارة بالثوابت الصهيونية وبنسختها اليمينية.
على ما تقدم، يشكل الكشف عن اتصالات كبار القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم نتنياهو مع المسؤولين السعوديين مكسباً استراتيجياً في أكثر من اتجاه. مشروعية بلا أثمان مع إمكان إنهاء القضية الفلسطينية وجعلها شأناً داخلياً إسرائيلياً لها حق التصرف به من دون رد فعل عربي مقابل. وبالتأكيد التوقيت الإسرائيلي مرتبط أيضاً بالانتخابات، فكل ما ورد يخدم خطاب نتنياهو ومنطقه والترويج له ولسياساته، بل إن موقفه عن العلاقات الجيدة مع الدول العربية يتناغم مع ما تم كشفه.
وهو رأى أن «علاقاتنا مع دول المنطقة برمتها، ما عدا سوريا، جيدة للغاية والكلام عن انقطاعها عارٍ من الصحة ولا يعكس الواقع بأي حال»، ما قد يشير إلى أنه شخصياً يقف وراء تسريب هذه المعطيات في هذا التوقيت بالذات. وبدا كلامه عن استمرار هذه العلاقات تصحيحاً لبعض ما ورد في هذه التقارير، مضيفاً أن «الواقع يشهد على أن تلك العلاقات تتعزز باستمرار. ولا أقصد أن جميعها علنية، فبعضها طي الكتمان، وبعضها الآخر علني، ويمكن ملاحظة ذلك يطغي فوق السطح والإحساس بذلك في الأجواء».
ومن الواضح أن كلامه عن اتساع نطاق العلاقات السرية مع الدول العربية باستثناء دمشق هو في الواقع إشادة فعلية بالنظام السوري وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد، وكشف عن حقيقة خلفيات الصراع الذي شهدته سوريا وما زالت، وعن أن القضية المركزية التي تشكل محور الانقسامات في العالم العربي هو الموقف من فلسطين والصراع مع الاحتلال. ضمن هذا السياق تبدو سلسلة التقارير الإسرائيلية المنشورة في الأيام الأخيرة أكثر وضوحاً، خصوصاً أن المادة التي تضمنتها مصنفة سرية ومنها ما يتعلق بسنوات مضت، وهي التي بدأت مع كشف العلاقات مع البحرين والإمارات، وأخيراً مع النظام السعودي، وفيما الجانب القطري والعماني، إلى جانب الأردني والمصري يصطفان إلى جانب “إسرائيل”، من دون حاجة إلى إخفاء اتصالاتهم وعلاقاتهم.
في الخلاصة، كل ما جرى ويجري يندرج ضمن حقيقة مفادها أن النظام السعودي والكيان الإسرائيلي يتعاملان على أساس أنهما في مركب واحد في مواجهة الشعوب العربية والمقاومة المدعومة من إيران، وأن عليهما التكاتف من أجل صد الأخطار المحدقة بهما.